تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


(أبو حليمة) وحكاية الأحلام المنفية!!

ثقافة
الخميس 23-4-2009م
لميس علي

بين أوهام أحلام وأهوال هزائم تبنى حكاية (أبو حليمة) والتي هي ليست سوى تجميع لحكايا حيوات الآخرين أو حتى حيواتنا.

أبو حليمة الشخصية الأساس في العرض المونو درامي (الأحداث الأليمة في حياة أبي حليمة) قدمته فرقه مسرح الرواة الفلسطينية مؤخراً على خشبة القباني، عن قصة (مايكون) للشاعر طه محمد علي، تأليف وتمثيل: اسماعيل الدباغ، والإخراج لجاكوب إمو، هي رمز أو تعبير في حقيقة الأمر، عن انسحاق إنسان عربي في العموم وفلسطيني على وجه الخصوص والتحديد، هي إلماحة إلى وضع هذا الإنسان وتلاشيه التدريجي من كل الجهات.. وهو يستمر مواجهاً ومجابهاً على جميع الجبهات داخلية- خارجية.‏

وفق توليفة مسرحية تنقلنا بين مراحل عمر مختلفة لأبي حليمة..لكل منها أحلامها الخاصة.. نتعرف على كثير من تفاصيل بل على عشرات نتف أجزاء تلك التفاصيل المشكلة لحياة هذه الشخصية البسيطة.. المتألمة.. المنكسرة.. لكن الحالمة بالرغم من كل شيء.‏

هل كان ذاك الحلم بامتلاك الحذاء، الحلم الناقص والذي لم يُكتب له التمام والتحقق..‏

حلم الفوز بحذاء حتى لوكان بفردتين متماثلتين (يمينيتين) هل كان إلا إيماءة عن عدم مقدرتنا على الخطو اتجاه الأمام.. خطواتنا عثراء.. مكبلة، لطالما كانت أحلامنا منقوصة.‏

صحيح أن المعنى القريب هو معنى واضح ومباشر (استحالة حصول هذا الإنسان على حذاء) وبالتالي استحالة تحقيق الحلم مهما صَغُر نتيجة للحرمان وظروف الحياة القاسية التي تفرضها حياة المنفى المفروضة بدورها عليه بسبب اغتصاب أرضه على يدي عدوه.‏

إلا أن هذا المعنى الواضح لايلغي احتمال وجود تلك الإشارات والإيحاءات الرمزية.‏

أبو حليمة الفلسطيني الذي يسعى هروباً من المنفى، بحثاً عن فلسطين- الحلم حتى داخل فلسطين نفسها.. شخصية تدوخها إحباطات انطفاء أحلامه صغيرة أم كبيرة يظهر علينا بلباس داخلي.. هل هي رمز.. إشارة جديدة إلى انكشاف حاله. أم إلى عدم وجود أي شيء يتستر (يحتمي) به هذا الإنسان العربي حتى لو كان لباساً.. هل هي تلميحة إلى تعرية واقع حال الكثير الكثير من أبناء وطنه الضائع.. وصولاًإلى فضح عظيم الأمور والقضايا.‏

ولربما كان توظيف اللباس أبسط من ذلك... كأن يكون إظهاراً لبنية أبي حليمة كبير السن.. وتسهيلاً لبقية المشاهد- ارتداء البزة العسكرية مثلاً- يقترب أسلوب العمل عموماً من نوع الكوميديا السوداء التي يحسن اسماعيل الدباغ (أبو حليمة) الإمساك بها بأداء أكثر من جيد..سيملأ بجسده الوحيد فضاء الخشبة.. قفزاً. طيراناً.. عدواً وبمختلف تشكلاته الجسدية.. وسيكون قادراً على أداء أدوار تلك الشخصيات التي يحادثنا عنها، هو الأب، الأم، البائع، القائد في الجيش.. وغيرهم، إضافة إلى تغييره لنغمة ونبرة الصوت بما يتناسب مع الشخصية التي يؤدي -تغيير التون-ما أتاح لنا رؤية شخصيات عدة في شخصية واحدة (فيزيولوجياً).‏

ودون هذه (التاتشات) الكوميدية المقدمة بعناية سيكون العرض مغرقاً في تشاؤمية وسوداوية الحال، الأمر الذي بات مكروراً ومستهلكاً في الحديث عن حال فلسطين والفلسطيني المنفي..‏

حيث يحاول العمل الابتعاد عن الشعاراتية، وبالرغم من ذلك يبقى مباشراً في بعض المشاهد ولاسيما في نصفه الثاني..اعتماد (الدلالة) كان أوضح وأبرز في جزئه الأول، عندما أخذت الشخصية تحكي عن طفولتها المحرومة عبر جزئية الحصول على الحذاء.‏

ومع أن أبا حليمة شخصية بسيطة. إلا أن هذا لايمنع كونه واعياً ومدركاً لما يحيط به.. هو يتابع مايجري حوله بعين الراصد، والناقد، المنقب عن مواطن الخراب والضعف في نفوس العباد قبل مسؤولي البلاد.. فيحتج على واقع الداخل مذكراًببؤس حال بائعات الخضار بباب العمود في القدس، وطيش الشباب الضائع الساعي للحصول على البطاقة الزرقاء أو العمل في مؤسسة (crary pease).. ينتقد ويلوم أفراداً ينتمون إلى واقع الخارج- خارج فلسطين- وتعلو وتيرة الاحتجاج والنقد حتى لتطول بلداناً لربما اعتبرها «أبو حليمة» مسؤولة عن حالة الحصار المادي- المعنوي، الداخلي والخارجي.‏

قصة أبي حليمة تختصر حكاية بلد، حكاية وجود، وتسعى إلى الحفر عميقاً في ذواكرنا.. تشاكس تحريضاً لاستثارة الرغبة في امتلاك الحلم والحفاظ عليه.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية