ومع ذلك, فانه في مسيرة السخافة التاريخية للقرارات السياسية الهدامة فان قرار سكشفيلي المواجهة المباشرة مع روسيا لا بد أنها تحتل مكان الشرف في رأس القائمة. القتال لم ينته بعد في جنوب اوسيتيا, ولكن لا شك لمن الغلبة القصف الذي لا ينقطع لسلاح الجو الروسي نجح في أيام معدودة في شطب سنوات عديدة من الازدهار الاقتصادي والسياسي وإعادة إحياء كاملة الى مكانها في العصر الحجري.
الثمن الدموي الباهظ الذي جبته تبليسي في الأيام الأخيرة يشرح بالتأكيد لماذا أعلنت جورجيا أمس إنها توقف النار من جانب واحد على أمل ان يسير الروس في أعقابها. كما أن استجداءات سكشفيلي المثيرة للشفقة يوم أمس من الروس للاستجابة لمكالماته الهاتفية, لا تدع مجالا للشك بان الرهان منفلت العقال الذي أخذه على نفسه لم يجدِ نفعا.
كارل فون كلاوزفيتش, الاستراتيجي العسكري المعروف علمنا بان الحرب هي السياسة ولكن بوسائل أخرى. أما في هذه الحالة فمن الصعب أن نفهم أي أهداف سياسية بالضبط سعى الى تحقيقها سكشفيلي عندما أمر جيشه فجر الجمعة باحتلال شخنفيلي, عاصمة جنوب اوسيتيا.
هناك اعتقاد بأنه سعى الى أن يفحص كيف يمكن ترسيم الحدود مع الروس. غير انه سواء اشتم ضعفا من جانب الكرملين أم اعتقد بان الغرب والولايات المتحدة على نحو خاص يمنحه إسنادا كاملا في قراره عمل ذلك, فقد أثبت سكشفيلي تهورا هداما, مصدره قد يكون الجهل التاريخي أو الغرور الشخصي.
في الولايات المتحدة وصفوا الرد الروسي بأنه »عديم التوازن« يحتمل. ولكن لو أن سكشفيلي ورجاله نظروا فقط الى الوراء عند صراع الروس ضد الشيشان المجاورين وأفغانستان غير البعيدة لفهموا بان ردا عسكريا استثنائيا بعيون أمريكية هو عقيدة قتالية عادية بعيون الروس.غير أن خطأه الأكبر واضح بالذات في إيمانه الأعمى بالغرب.
صحيح أن بوش ندد بشدة بالروس أمس, ولكن القتال يوم الجمعة لم يمنع وجبة الغداء الودية التي عقدها مع بوتين.
وباستثناء الكلمات, من غير المتوقع لسكشفيلي أن يحصل على شيء آخر من واشنطن.
في السنوات الأخيرة أصبح سكشفيلي نوعا من الشخصية الشهيرة في الولايات المتحدة, وأحب أن يعرض نفسه كرسول الديمقراطية الغربية في القوقاز.
وليس صدفة أنه عندما دافع عن نفسه في الأيام الأخيرة أمام عدسات التلفزيون الغربية عاد وشرح بان الهجوم الروسي »موجه ضد الديمقراطية«. ولكن من المشكوك فيه جدا أن يكون هناك قدر كبير من الناس يقبلون بهذا الطرح. ففي السنوات الأخيرة وجهت للرئيس الشكاوى بشأن جمعه المبالغ فيه للصلاحيات وخروقات حقوق المواطن.
وفي أعقابها طرحت بغير الصدفة المخاوف من أن سكشفيلي يفضل أن يسير بالذات في الطريق السياسية للكرملين أكثر مما في طريق البيت الأبيض.في السنوات الأخيرة كان واضحا ان جورجيا ترغب أكثر من أي شيء آخر الانضمام الى صفوف حلف الناتو.
غير أن القتال الأخير لا يساهم في آمالها في ذلك بالضبط. فحسب أنظمة الحلف, في اللحظة التي يتعرض فيها عضو للهجوم, فان جميع الأعضاء يهرعون لنجدته.
من ناحية جورجيا, فان اتفاقا كهذا هو مثابة حلم رطب. ولكن إذا ما علمتنا أيام القتال الأخيرة شيئا فهو أنه من ناحية باقي أعضاء الحلف, انضمام جورجيا الى صفوفه من شأنه أن يكون كابوسا.