ربما تعتقد أنه سيقود إلى نوع من التغيير في نمطية الأداء والتخلي عن لغة الإعلام الجماهيري, التي باتت تشكل صعوبة بالغة على عامة الشعب العربي, ولا نعرف ألهذه الدرجة بلغ استهتار القناة باللغة الإعلامية, التي اعتبرت لغة الوسط بين العامية والفصحى, وهل أصبح الفضاء العربي المتشرد كلاً يهتم بنشر لهجته المحلية, وها هم المصريون في الدراما من أشد المقاتلين في مسعاهم, تبعهم في ذلك السوريون والآن الخليجيون, غداً سنشاهد اللهجة المغاربية التي لا نفهم منها سوى أول وآخر كلمة من الجملة المحكية, عبر غزو فضائي عربي يدعم منطق اللهجة, ولا شك أن الكل يدرك ما للغة الفصحى من أهمية عظمى, هذه اللغة التي تمَّ مسخها منذ قرون من الزمن وحلت مكانها اللهجة العامية, وبهذا الصدد يقول عباس محمود العقاد:
»والعامية لغة الجهل وليست بلغة الثقافة, أو بلغة اليسار, فإذا عطفنا إلى العامية فإنما نعطف على الجهل ونستبقيه ونستزيده«.
ولا ريب أن التخلي كلياً أو جزئياً عن الفصحى والركون إلى العاميات قضية لا علاقة بها بالمشكلات اللغوية في الإعلام, فضلاً عن أنها تقدم حلولاً ناجعة, ذلك أن معطيات التطور التكنولوجي والتقني في مجال الإعلام الجماهيري وبخاصة المسموع والمتلفز منه تتناقض مع انتشار العاميات وترسخ صلاحية الفصحى في التحرير الإعلامي جميعاً وتعمق القناعة بضرورة تعميمها قدر الإمكان في كل الإعلام حاضراً ومستقبلاً, فالفصحى التي كانت في الماضي منغلقة على قطاعات جماهيرية واسعة تطل علينا عبر الإذاعة والتلفزة لتصبح في متناول الجميع, فغدت لغة متداولة يتعامل معها الأمي وشبه الأمي والمثقف والمتنور, إلا أن فضائيات اليوم ناقضت هذا الكلام وذهب أدراج الرياح, إلا من رحم ربي, فأغلب البرامج الإذاعية والتلفزيونية وحتى أغلب المسلسلات تعتمد على اللهجات المحلية, واقتصرت اللغة الإعلامية على نشرات الأخبار التي ما زالت تدين لهذه اللغة وأنها سبب من أسباب استمراريتها وشد المتلقين باتجاهها, وها هي الآن قناة (OTV) تدعو إلى مسخ اللغة الإعلامية ابنة اللغة الفصحى والمدافع الشرعي الوحيد عن ديمومتها, ربما تنتقل حمى العدوى إلى باقي القنوات الفضائية وخصوصاً المصرية التي لا تعد ولا تحصى في هذا الميدان الفضائي الواسع.
بالفعل نحن بصدد موضوع لا يجب أن يوضع محل نقاش, في وقت تبحث فيه مجموعات بشرية أخرى عن توحيد وسائل بثها الجماعي وتحقيق انتشار اقليمي وعالمي لإعلامها, محاولة استنباط طرائق وتقنيات مختلفة لاجتياز عقبات اللغة كالاتحاد الأوروبي مثلاً والباحث عن لغة واحدة تجمعه, فهو على سبيل المثال يقدم نشراته الإخبارية بأكثر من عشر لغات بالمقابل نحن لدينا لغة واحدة لوطن عربي كبير يمتد من المحيط إلى الخليج, تعداد سكانه تجاوز ثلاثمائة مليون نسمة, حولنا لغتنا إلى أجزاء متناثرة سنندم عليها في قادم الأيام في ظل غياب واضح وصريح للسياسات الإعلامية العربية, التي تقف عاجزة تتفرج على هذا الوضع المأساوي.