نفس المشاهد التي عرضها برنامج صباح الورد أعيدت مساء لكن هذه المرة في نشرة أخبار التلفزيون السوري الرئيسية الذي عنون تقريره بزياد في قلب دمشق,معتبرا أنه الحدث الموسيقي الابرز في الصيف,بعد أن كان حضور فيروز في الشتاء الحدث الأكثر أهمية...وإن كانت كاميرا التفزيون السوري قد نجحت في اقتحام أسوار زياد,إلا أن كاميرا تلفزيون الدنيا لم تتمكن من ذلك كما بدا في تقريرها حول زيارته حيث استعاضت تجولت كاميرتها بين ملصقات زياد رحباني التي غصت بها شوارع دمشق,واستعانت بصور ولقطات أرشيفية,وبلقاءات مع الناس...
على الدوام كانت العلاقة التي تربط زياد رحباني بالإعلام خاصة تتراوح بين الشد والجذب,فعلى الرغم من كرهه للقاءات الصحفية, ومقاطعته لها غالب الأحيان,إلا أنه لا يرفضها بالمطلق,فعندما يرى ما يشده للكلام يتكلم,وهو في الآونة الاخيرة وفي صحيفة الأخبار تحول بشكل ما ليصبح زميلا صحفيا,لكن من طراز رفيع,حيث لم يتخل عن نكهته اللاذعة,و حافظ على تهكمه,( ما بْعِمرو كان معاشُن عا قدّنا,منشِدّ طْلوع بشدّو عا أدنى,حسَمنا الأمِر صمّمنا وعقدنا,بسبعة أيّار نمشي بالإضرار,إنتو رعيان سابقها قطيعا,
خَلقتو ظروف مش ممكن أطيعا,ودولة بالنصّ حاكمها قطيعا,لكنِ الفقر مكتمل النصاب.)
موسيقاه تدخل القلب مباشرة,تقلك الى عوالم تخترعها أنت,قد يستغرب زياد الرحباني حجم المحبة التي يكنها له شباب سورية,لكنها ليست محبة خالصة فيها جزء كبير من محبة الذات,لأننا في النهاية نحب من يسعدنا,وزياد فعلها في أكثر من مكان,بدءا من ألبومه بالأفراح,وصولا الى وحدن,ثم هدوء نسبي,وكيفك انت,وبما انو...,
وإن كان قد أتى الى دمشق كموسيقي ليحيي خمس حفلات يقدم لنا فيها الموسيقا المجردة,إلا أن تلك الحفلات لن تمر دون أن نتذكر مسرحياته,دون أن نتذكر الفكر الخاص الذي شكل زياد الرحباني منذ كان طفلا بين أحضان فيروز وعاصي الذي اكتشف موهبته باكرا.
الفكر الذي يشدنا الى زياد يأتي من كونه غريباً ,لامألوف,يعبر عنا بطريقة ذكية,لاتخطر سوى لزياد وحده, مرة يشبه المزج بين الموسيقا الغربية والشرقية كالمزج بين الفلافل والهمبرغر,وتارة يعتبر الفقر كافراً,وتراه مرة أخرى يحب بلا ولا شي...
إنه ينقلك الى عوالم تبتعد عن الروتيني والاعتيادي,معه كل شيء يصبح مختلفاً إن زياد الرحباني يمثل حالة استثنائية في الفن,جمهوره من الشباب الذين يهربون معه الى عوالم خاصة, زياد مجموعة من المعاني التي باتت تجسد قيم اللامألوف,التمرد,الحرية,الابداع...زياد لا يشكل لهم مجرد موسيقي يذهبون للاستماع اليه,بل كل يبحث في زياد عن عالمه الخاص,عن زياد الخاص به, عن معنى آخر قد لايتمكن الآخرون من التقاطه,يعتقد انه وحده من يفهمه,في حين أن زياداً يبدو متهكما ساخرا,وهو يرمي إلينا بأعماله البسيطة,بساطته,والعميقة عمقه, لكن ليفهمها الجميع,كما هي بلا أي تحليلات أو تعقيدات,قد تفسدها!!