ويقف التعاون الوثيق بين هذا الثلاثي وراء تصنيع الأسلحة بأنواعها وتجييش المؤسسات الصناعية العاملة في حقول الالكترونيات وسواها, ألا يخصص البتاغون ثلث ميزانيته لدعم برامج الناسا على سبيل المثال? ألا تحتل لجنة الطاقة الذرية الأميركية رأس قائمة زبائن الناسا إلى جانب وزارة الدفاع? ألا يخدم رواد الفضاء كضباط في سلاح الجو الأميركي? ألا يبتلع البنتاغون 33% من ميزانية حكومة واشنطن سنوياً? ألا تسيطر تلك الوزارة على قرارات البيت الأبيض واقتصاديات الدول الملقبة الأقوى في العالم?
تقف استراتيجية هيئة أركان واشنطن التوسعية وراء حروب الهند الصينية (آواخر الستينيات من القرن الماضي) كمذابح ماي لي في فيتنام 1968 وغزو العراق في آذار 2003 ليعمل مجلس الأمن الوطني في الولايات المتحدة ومنذ قرابة ستين عاماً على توجيه سياسات البيت الأبيض وتقديم النصح والمشورة لحكامه, ويشكل اليوم مجلس الأمن الوطني السلطة العليا والحكومة الفعلية في الولايات المتحدة, فهو الذي يملي على الرئيس جورج بوش الابن القرارات التي توافق عليها غالبية أعضاء هذا المجلس بعد الحصول على تأييد حاكم البيت الأبيض الضمني.
ويجتمع أعضاء من الوطن أسبوعياً في قاعة البيت الأبيض البيضاوية وبمشاركة عدد من كبار الساسة الأميركيين المقربين من بوش الابن إضافة لمستشاريه في شؤون الأمن والدفاع لتحديد أولويات تحركات الرئيس.
وقد انبثق عن مجلس الأمن الوطني لجنة تنسيق العمليات العسكرية والسياسية وتدعى O.C.B وهي التي تنفذ التوجهات الصادرة عن مجلسها لتكون أوسع إدارة داخل النظام السياسي لواشنطن, ويشرف هذا المجلس كذلك وبشكل مباشر على تحركات المركب الصناعي العسكري وعلى العقود التي يبرمها جنرالات البنتاغون مع الشركات المصنعة للأسلحة إلى حانب مراكز أبحاث الناسا, وتبتلع تلك الأبحاث الخاصة بعسكرة الفضاء 5% من الدخل الوطني الأميركي ويقيم البنتاغون والمركب الصناعي العسكري علاقات وثيقة مع رجالات الكونغرس, فصناعة التسلح الأميركي تمول مجموعات ضغط رسمية وغير رسمية لدعم سياساتها الطويلة الأمد على غرار استفادتها من خبرات ضباط المراتب العليا المتقاعدين الذين تستخدمهم في منشآتها كمستشارين وما شابه.
وقد صرح السيناتور الديمقراطي السابق (ايليندر) أن مجموعة من رجالات الكونغرس, أصبحت أسيرة الجهات العسكرية, كذلك أدان الجنرال المتقاعد (شوب) هؤلاء الذين يجعلون من الولايات المتحدة الأميركية أمة عسكرية عدوانية, أما خبير الاقتصاد الأميركي (بورنز) فيرى أن تصعيد لهجة المركب الصناعي العسكري يشكل خطراً على البلاد لأنها تترافق مع ارتفاع نسب التضخم فتدفع بالاستثمارات المدنية إلى المرتبة الثانية.
من هنا جاءت إدانة أوساط أنصار السلم عبر ضفتي الأطلسي لسياسات كل من واشنطن ولندن من الشرق الأوسط بدءاً بحربي العراق وأفغانستان.
ومن هنا انطلقت الدوافع الكامنة وراء تلويح واشنطن باستخدام أسلحة الدمار الشامل ضد أهداف محتملة قد تكون مراكز صنع القرار في عدد من دول المنطقة أو مرافق استراتيجية أو حتى منابع النفط في إيران على سبيل المثال, ويرجح المراقبون الدوليون إمكانية لجوء كل من جورج بوش وحليفه البريطاني طوني بلير لتلك الأسلحة طبقاً لمخططات المركب الصناعي العسكري ومجلس الأمن الوطني الأميركي بعد أن قررت إدارة الأول وحكومة الثاني إغلاق باب النقاش حول هذا الموضوع.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد حصلت للتو على وثيقة عبر موقعها على شبكة الانترنت تحدد الخطوط العريضة للمبدأ الجديد المتعلق بالعمليات النووية المشتركة بالنسبة لرؤساء أركان الولايات المتحدة, ولأول مرة يتم وضع توجهات محددة للقادة الأميركيين تعكس مبدأ الإدارة الأميركية المتعلق بالضربات الاستباقية, كما ورد في الوثيقة مدى حاجتها لرفع فاعلية استراتيجية الردع بالنسبة لاستخدامها أسلحة الدمار الشامل إذ بات من الضروري أن تلجأ القوات الأميركية لأسلحة الدمار الشامل لمنع أي دولة تمتلك مثل تلك الأسلحة أن تستخدمها ضدها.
وتتضمن تلك الوثيقة نماذج للحالات التي ستقوم بموجبها واشنطن باستخدام أسلحة الدمار الشامل, ففي الحالة الأولى سوف يعتمد البيت الأبيض تلك الأسلحة ضد أي عدو مفترض تتملكه النية في استخدام تلك الأسلحة ضد الولايات المتحدة أو أحد حلفائها.
وقد يطلب القادة العسكريين الأميركيين من الرئيس بوش السماح لهم باستخدام أسلحة الدمار الشامل عندما يكون هناك تهديد محتمل لأسلحة بيولوجية معادية يطال التدمير مواقع تلك الأسلحة.
في الحالة الثانية سوف تستخدم تلك الأسلحة النووية لمهاجمة المستودعات المخزن بداخلها أسلحة كيميائية أو بيولوجية أو لمهاجمة مركز قيادتها وإحكام السيطرة على البنية التحتية في أماكن تواجدها.
ويستند المبدأ الجديد المقترح على تعويض تخفيضات استخدام الأسلحة النووية المتواجدة في أوروبا وعددها 480 قنبلة نووية أميركية بما في ذلك 110 قنابل مخبأة داخل القاعدة الأميركية لاكينهبث في شرقي المملكة المتحدة.
واستناداً لما مدح به هانز كريستين مستشار الموارد الطبيعية في مجلس الدفاع الأميركي وهو أول من التقط هذه الوثيقة على موقع وزارة الدفاع الأميركية فإن مبدأ الهجوم الاستباقي يؤكد حتمية استخدام الولايات المتحدة لأسلحة الدمار الشامل في حال اندلاع صراع تفتعله أو تستبق وقوعه.
وعوضاً من تخفيض دور الأسلحة النووية كما وعدت إدارة بوش الشعب الأميركي قبل عامين يندفع البيت الأبيض للهروب إلى الأمام في محاولة للتخفيف من الضغوط السياسية التي تمارسها عليه التظاهرات الشعبية وجماعة أنصار السلم والدفاع عن ضحايا حرب العراق وفي مقدمتهم دومينيك جنكيز زعيم حركة السلام الأخضر.
ومن غير المستغرب أن يعمد وزير الدفاع الأميركي رامسفيلد والجنرال ريتشارد مايرز إلى التقليل من أهمية تلك الوثيقة وقد تنكر مايرز خلال مؤتمر صحفي عقد في وزارة الدفاع مؤخراً لفكرة تخفيض حصة ميزانية الأسلحة النووية الأميركية.
أما في المملكة المتحدة فقد رفض وزير الدفاع البريطاني الإدلاء بأي معلومات حول خطط الحكومة بشأن احتفاظها بالردع النووي وإحلال نظام الصواريخ ذات الرؤوس النووية الثلاث المعمول به حالياً, كذلك رفض وزير الدفاع الإفصاح عن التكاليف التي يستلزمها تشغيل مثل هكذا نظام والهدف الذي أقيم من أجله واستخدام مثل تلك الأسلحة النووية قائلاً: إنه ليس من مصلحة الشعب نشر التقييمات حول التهديدات التي يمكن لتلك الأسلحة أن تردعها, ثم أضاف هناك رغبة شعبية قوية تؤيد امتلاك بريطانيا لأسلحة نووية رادعة حقيقية.
وهناك شعور بأن إفشاء معلومات حول قدرات الأسلحة الرادعة قد يؤدي إلى تدمير الأمن القومي للمملكة.
وقد رفض وزير الدفاع البريطاني الكشف عن طبيعة المباحثات التي جرت بين واشنطن ولندن بشأن سياسة الأسلحة النووية بالاعتماد على قاعدة أن هناك رغبة شعبية في بريطانيا للاحتفاظ بعلاقات متينة مع الولايات المتحدة, وفي مقابله أجرتها صحيفة الغارديان مؤخراً مع وزير الدفاع البريطاني جون ريد وعد هذا الأخير بإجراء حوار مفتوح مع الفعاليات الشعبية حول أي قرار يمكن أن يتخذ بشأن إحلال نظام الصواريخ ذات الرؤوس النووية الثلاث وهو يعتقد بضرورة فتح حوار داخل البرلمان عندما يأتي الوقت المناسب ليطرح هذا الأمر للنقاش.