وهي أسئلة استراتيجية يتوجب على النظام العربي والإقليمي أن يجيب عنها. فالنظام الرسمي العربي تراجع كثيرا عن منطلقاته الأساسية التي كانت في أساس دوره الإقليمي الفاعل خلال العقود الماضية، فانكمشت الإرادة السياسيةالعربية، وأصبحت تمارس سياسة العزوف عن الوجود والتأثير في محيطها العربي والإقليمي، الأمر الذي أفسح في المجال لتراجع الدور الإقليمي العربي.
ومسألة منطقية عندما تغيب الموحدات الاستراتيجية الكبرى: التحرير والوحدة والصراع مع إسرائيل، وتنمية المصالح العربية المشتركة، والدول العربية الكبرى الفاعلة التي تمتلك استراتيجية سياسية مشتركة لوظيفة المنطقة ولدورها، بوصفها المحرك الأساس الذي يدفع النظام الإقليمي العربي نحو تحقيق أهدافه.. في غياب هذه الموحدات كلها لم يعد النظام العربي يمتلك مشروعاً يدافع عن المصالح العربية العليا، ومقتضيات الأمن القومي العربي، ورفض تقديم التنازلات المتوالية لإسرائيل.
تنعقد القمة العربية في ظروف بالغة الخطورة والجدية تواجهها الأمة العربية، بعدما أصبحت الدول الإقليمية العربية الكبرى التي تقود عادة النظام العربي على هذا النحو من الارتباك ، لجهة عجزها عن تطوير دينامياتها الخاصة ودورها الإقليمي الفاعل على رغم كل الإمكانيات العربية المادية المتوافرة للعرب، والتي يفترض أن تجعل النظام العربي يتحرك على الساحة الإقليمية و الدولية بصورة فاعلة ومؤثرة في التعاطي مع قضايا المنطقة، ولاسيما القضية الفلسطينية.
كشفت الحرب الإسرائيلية التدميرية على غزة في نهاية السنة الماضية وبداية السنة هذه عن عمق الانقسامات العربية واختلافاتها في تقييم الأوضاع في المنطقة بصورة عامة، واختلاف انعكاساتها على مواقفها في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وقد كانت التحركات السورية بصفة سورية رئيسة للقمة العربية العشرين ناجحة لجهة تحقيق المصالحة العربية ورأب الصدع كما جاءت في هذا السياق مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للقيام بمصالحات عربية - عربية قبل انعقاد القمة العربية، بهدف تجاوز الانقسامات العربية الراهنة والعقبات، وطرح سياسات عربية بديلة تسهم في توجيه أحداث المنطقة، وتسويق قضاياها الاستراتيجية، ولاسيما أن النظام الدولي الأحادي القطبية التي تسيره وتقوده أميركا بمفردها منذ نهاية الحرب الباردة، أثبت محدوديته في ظل اصطدامه بالمأزقين الكبيرين العراقي والأفغاني، وتضاؤل تأثير أدواته في المنطقة، بحيث أصبح عبئا على السياسات العربية نظرا لإخفاقه الكبير، فضلا عن المبادرات التي يشهدها الوضع الدولي والتحركات لجهة بناء نظام دولي متعدد الأقطاب، يشهد على ذلك صعود العملاق الروسي من جديد كلاعب أساسي، إلى جانب العملاق الصيني، في مواجهة الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة.
ومما لا شك فيه أن الشرق الأوسط بات يحتل حيزاً مهماً من هذا الصراع الدولي، بسبب وجود النفط، وبسبب التركيز الأميركي على ما يسمى بـ«الحرب على الإرهاب»، إضافة إلى حقيقة باتت من بديهيات العرب جميعهم، وهي تأكيدهم على تثبيت المبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت في العام 2002 ،وثبتها مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية في اجتماعهم في طهران (مايو 2 003) كأساس للتسوية للصراع العربي- الصهيوني، التي تقوم على الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة العام 1967. و كان الملك عبد الله قال في قمة الكويت :أن «مبادرة السلام العربية المطروحة على الطاولة اليوم لن تبقى على الطاولة إلى الأبد».وهذا معناه أنه إذا لم تتم الموافقة عليها من قبل أميركا و إسرائيل لتكون هي خريطة الطريق إلى تحقيق سلام عادل و شامل في المنطقة، فإن على العرب البحث عن خيار آخر لتحقيق أهدافهم الوطنية و القومية المشروعة، وفي طليعتها حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة و عاصمتها القدس الشريف.
المصالحة العربية تعمل من أجل بناء سياسة تضامن عربي حقيقي يمتد لما بعد قمة الدوحة , ويكون على أسس تفاهم واضحة ومحددة تؤدي إلى جمع كلمة العرب. وجاءت القمة الرباعية في الرياض التي ضمت زعماء وملوك كل من المملكة السعودية ومصر وسورية والكويت لتؤكد على حرص الزعماء العرب على إنجاح قمة الدوحة، من خلال إيجاد آلية عربية حقيقية تنظم الخلافات العربية- العربية بوصفها جزءا من الاجتهادات في السياسة، وعلى طي الماضي، وتجاوزالخلافات، والاتفاق على منهج موحد لمعالجة الخلافات الأساسية المتعلقة بأمن البلدان العربية واستقرارها وبأمن المنطقة واستقرارها، وبما يخدم المصالح العربية المشتركة.
وتعتبر قمة الرياض , اللبنة الأساسية لقمة الدوحة، التي ستعمل على بلورة رؤية عربية مشتركة لمواجهة التحديات ، وفي مقدمتها :تفعيل مؤسسات النظام الإقليمي العربي ، و اعتبار القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية ،بما يعني ذلك استمرار الدعم العربي لمقاومة الاحتلال الاستيطاني في فلسطين التاريخية، التي يعمل ليلاً نهاراً على التوسع في خريطة الاستيطان ، و بالتالي تهويد القدس بالكامل ، و التأكيد على مركزية الصراع العربي- الصهيوني في استقطاب الجهود العربية،والعمل على إنهاء حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية من خلال تحقيق مصالحة وطنية فلسطينية بين «حماس» والسلطة برئاسة محمود عباس، وذلك من خلال الجهود المصرية المدعومة عربيا.