لأن إيران لن تعير أي اهتمام لاستمرار ايهود باراك على رأس وزارة الدفاع ودعم اتخاذ الحكومة الجديدة اجراءات ضدها على غرار مانهجته تسيبي ليفني- وإنها ستستمر بالسير قدماً في تنفيذ برنامجها النووي.
إن نتنياهو على ثقة تامة أنه في حال توقيعه أي اتفاق مع سورية، أو استئنافه المفاوضات مع الفلسطينيين، فإن حزبي العمل وكاديما سيتنافسان على الوزارات التي تشغلها الأحزاب اليمينية المتطرفة، وفي هذا السياق لن يضع الرئيس المرشح للحكومة بحسبانه موضوع كسب أصوات حزب العمل في الكنيست بل الخشية من فقدان أصوات شركائه من اليمين المتطرف، ولأنه لايرغب بأن يشاركه في الحكم قادة أقوياء يساعدونه في الوقوف بوجه أعدائه اللدودين، وإنما يريد من يسانده ويقف إلى جانبه في وجه مايتعرض له من ضغوط الأصدقاء.
اعتبر نتنياهو أن فوزه في الانتخابات قد أعطى له تفويضاً بتجاوز ماتبقى من اتفاقيات اوسلو والاستمرار ببناء المستوطنات، وتدمير البيوت في القدس الشرقية، لكن عليه أن يعلم أن هذا التفويض لم يعطه الحق بالإساءة إلى العلاقات الوطيدة مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولأن الناخبين يريدون منه أن يتصرف كمحتل في الوقت الذي يشعر به الآخرون بأنه الضحية.
لقد تعلم نتنياهو من الذين سبقوه أن يتعامل مع نخب من الفئات التي ينظر إليها بازدراء لأنه عندما يذهب حاملو إرث رابين إلى عواصم العالم، كممثلين لحكومة نتنياهو فلن تستمر نظرة العالم إليه باعتباره مناهضاً للسلام.
في ضوء هذا الواقع، وبهدف تغيير وجهة نظر العالم إليه بحيث تعتبره مؤيداً للسلام، فهو بحاجة إلى الإعلان عن المباشرة في التفاوض، لأن القيام بجولة في دول العالم لن يكتب لها النجاح دون تعاون من السلطة الفلسطينية فوجودها يعني وجود شريك لإسرائيل في صنع السلام، علماً بأننا لوبقينا مستمرين بالمفاوضات خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف لمدة طويلة، فإن ذلك سيؤدي حتماً إما إلى استلام حماس للسلطة، أو أنه سيحدث تغييراً ديمغرافياً في البلاد، في الوقت الذي ستستمر أوروبا بدفع رواتب وأجور المعلمين في مدارس الضفة الغربية، وتقوم اليابان بإعادة بناء المرافق العامة التي دمرتها اسرائيل في قطاع غزة.
إذا كانت الولايات المتحدة جادة فيما تقوله بالتزامها بإنهاء النزاع فإن الضرورة تدعو أن تخفف وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون من لهجتها الدبلوماسية تجاه اسرائيل، عندما تقول إنها الجهة الوحيدة التي عليها أن تقرر دعم مشروع وجود الدولتين، لكن هذا القول لن يعطي النتائج المرجوة (حتى لو أنه لقي التأييد من كثير من دول العالم) إن لم يلق دعماً جدياً من قبل الولايات المتحدة.
قبل سبع سنوات تبنت الإدارة الأمريكية قرار مجلس الأمن رقم 1397 الذي دعا إلى إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب دولة اسرائيل، ذلك القرار الذي اثنى على مبادرة السلام السعودية التي تقوم على انسحاب اسرائيل إلى حدود عام 1967، فهل هذا ما ترغب بتحقيقه إدارة أوباما أم أنها ستعمد إلى مناصرة السياسة الإسرائيلية الجديدة ومباركة ماتقدم عليه؟
ذكر مراسل صحيفة النيويورك تايمز في القدس ايثان برونر أن وزير الخارجية الاسرائيلي تلقى مليوني دولار بهدف تحسين صورة اسرائيل في العالم، كما صرح نائب المدير العام للشؤون الثقافية اريا ميكل أن الوزارة توفد إلى الخارج كتاباً وفنانين ومسرحيين وتقيم المعارض والمنتديات لإظهار الصورة الجميلة للواقع الاسرائيلي، يوجد لدى الوزارة قسم خاص مهمته تحسين سمعة البلاد أمام المجتمع الدولي.
إن الدعوة لإجراء مفاوضات من أجل إعادة الأراضي ووقف بناء توسيع المستوطنات، تعتبر من الأمور المرفوضة من قبل الحكومة الاسرائيلية المقبلة، وتعتبر مثار قلق لها، وإن اللجوء إلى إرسال الوفود لتنتقل من عاصمة إلى أخرى لن يجدي نفعاً في حل ما تتعرض له من معضلات.
يتعين على الفنانين والسياسيين والمثقفين الذين لا يؤيدون السياسات اليمينية المتبعة البقاء في البلاد لوضع النقاط على الحروف والإعلان عن وجهة نظرهم، وأن يجعلوا جيل الشباب يتفهم أنه ليس ثمة احتلال متنور.
وعلينا أن نجعل المهاجرين من روسيا يعلمون أن الفلسطينيين عاشوا في عسقلان وطالبية قبل سنوات مديدة من قدومهم إلى هذه الأرض، وعلينا أن نذكرهم أن منظمة التحرير قبل عشرين سنة ارتضت التنازل عن 78٪ من الأراضي الفلسطينية التي تقوم عليها دولة اسرائيل في الوقت الحاضر.