أشاهد الناس فرادى وثنائيات وقلما أجد الزرافات يتقاطرون على شكل جيش قديم ذاهب إلى معركة لا يؤمن بها , لحضور ولادة هذا الرغيف .
أنظر في الوجوه المختبئة وراء ظلام بدأ يتقلص أمام بواكير يوم جديد : هذا يتمتم و يدعو ربه الفتاح الرزاق أن يفتح على أولاده ويرزقه من فضله , وذاك مازالت خيوط الوسن تقيد عينيه فيتعثر بحجر- نصبها الأولاد مع أخرى مرمى للعب الكرة - فيكاد يسقط ويستثير ابتسامات الناس حوله .
بعض النسوة يقفن أمام نافذة خاصة ينتظرن حظهن من هذه الأقراص الوردية , ليبدأن بعدها رحلة يوم مكرر منذ أمد . بينما تتوالد الأرغفة من رحم لا تنضب, تخرج بأشكالها الجميلة الشهية ولكن قد تجد فيها أرغفة مشوهة , كما حدث معي اليوم : فبينما كنت أنتظر أرغفتي فاجأني رؤية رغيفين ملتصقين ببعضهما التصاقاً حميماً مثل التصاق الحلقات في الشعار الأولمبي , وكان أحدهما مشوهاً قد تجمعت قطع العجين فيه على بعضها فغدا بديناً أبيض لم تؤثر فيه النار الشيء الكثير بينما كان الآخر بدراً جميلاً محمر الوجه .
بادرت بعد عودتي إلى البيت إلى نشر الأرغفة على الطاولة وجلست أحدق في الرغيفين اللصيقين بعد أن أوقظت المذياع.
هممت بالتفريق بينهما ولكن خطر لي خاطر عجيب , قلت في نفسي : لقد ولدا متصلين , وهما من قطعة عجين واحدة , قُسمت إلى نصفين , لكنهما خلافاً لكل الأرغفة الأخرى أبقيا على شيء يجمع بينهما , مع أن أحدهما سليم وجميل والآخر مشوه ومتكور .
لكني عدت لرشدي , متذرعاً بأن كل رغيف ولد ليكون مستقلا عن الأخر . فللسليم مكان على إحدى الموائد , بينما سيهمل الأخر حتى ييبس ثم يؤخذ إلى إحدى الحظائر , ليكون علفا للماشية .
استللت سكيناً صغيراً , وبدأت أفصل بين الرغيفين , حاولت أن أكون عادلاً , بأن لا أدخل شيئاً من أحدهما في الآخر, مررتُ السكين من أعلى نقطة التقاء بينهما , كانت السكين تحدث برزخاً بدأ يكبر شيئاً فشيئاً , إلى أن اصطدمت السكين بشيء ما وتوقفت , زدتُ من قوة الضغط , لكني أدركت من قوة المقاومة أن هناك شيئاً غير عادي يصل بين الرغيفين .
تبينتُ من ذلك ,كان هنالك سلك معدني قد وصل بين الرغيفين, حاولتُ انتزاعه , لكنه كان ممتداً إلى قلبي الرغيفين , أدركت أني إذا استمريت في انتزاعه , سأحدث ثقباً عميقاً في الرغيفين .
وصلت على نقطة , كنت فيها أمام خيارين : إما أن أفصل الرغيفين عن بعضهما , وأمزق قلبيهما , وإما أن أترك الرغيفين متحدين بحبل الوصل الذي جمع بينهما , فضلت الأخير .