تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فــــي مشــــفى المواســــاة

آراء
الإثنين 30-3-2009م
جلال خير بيك

«نعتني!» كثيرون بالتعصّب للقطاع العام، وهذا شرف لا أنكره بل أتعصّب له!!.. والمسألة لا تأتي من فراغ وخاصة في هذا الجو الاستهلاكي الذي لم يعد يعنيه إلا القرش وأكداس الأموال!! ويحار فيه المواطن من أي جانب يأتيه النهب وسحب قروشه.. قروشه التي يملكها أو لايملكها فيستدينها!.

كنا - على الفقر- نحمد الله أن المسائل الصحية تؤمنها الدولة عن طريق القطاع العام ومشافيه.. وصرنا بعد أن تكدست الأموال في جيوب قلة من الناس يزيد عددهم يومياً ويزيد بالتالي عدد الفقراء أضعافاً مضاعفة.. صرنا نحمد الله على ماهو موجود حتى جاءتنا خيرات اقتصاد السوق الاجتماعي!! فغدت مشافي القطاع العام الصحي بغالبيتها: مأجورة إلا مشفى المواساة وبضعة مشافٍ أخرى حيث يجد المحتاج ضالته المجانية فيها.. وزاد بالتالي ضغط الفقراء على هذه الصروح الطبية التي تنوء بما تحمل.. بل تحمل فوق طاقتها بكثير.. ومع ذلك فهي تقدم كمّاً هائلاً من الخدمات الصحية بما فيها العمليات الجراحية وحتى المعقد منها: دون مقابل ودون جزاء ولاشكور!!.‏

ومما لاشك فيه أن الأخطاء الطبية تحصل في أي صرح طبي حتى لوكان في أرقى دول الغرب.. الأمر الذي يجعل المرء يغض النظر عن بعض الذي يقع في مشافينا العامة التي تتحمل كماً هائلاً من المراجعين والمحتاجين لخبراتها ولعملياتها الجراحية المجانية وبأيدٍ وطنية خبيرة يظل الصبر فيها والعزم: دائماً وراء ذلك النجاح الكبير الذي حققه القطاع العام الصحي.‏

تعرضت يوم مؤتمرنا في 22 آذار لعارض صحي احتاج إلى عملية جراحية عاجلة فراجعت طبيبي الأستاذ الدكتور سمير العنزاوي فقرر: إجراء العملية في مشفى المواساة وهو مديره العام، وقال لي: هذا الصرح الطبي لكم أنتم، جمهور المواطنين ومن حقكم أن تنالوا فيه كل عناية. وكما تفخرون به فمن حقه أن يفخر بأنه يقدم لكم خدماته وخبراته مجاناً ومن قلوب صافية تنتظر رضا الله ومحبة الناس وثقتهم.‏

وغني عن القول: إن كثيراً من الأطباء يجرون عمليات أيضاً في مشافٍ خاصة خارج أوقات دوامهم.. لكن الاستاذ العنزاوي أصرّ على أن يجري عمليتي في مشفى المواساة دون نقاش وقال: إنني أجري العمليات لأهلي هنا رغم استطاعتي أن أجريها لهم في المشفى الخاص مجاناً!!.‏

أجريت العملية التي استغرقت بعد التخدير قرابة الساعة والنصف وتكللت بالنجاح بعد أن أصر الأستاذ العنزاوي على إجرائها بنفسه.. ولقد لقيت في غرفة العمليات كل عناية واهتمام..‏

وكان أستاذ شعبة التخدير وبعض أطبائها وعدد آخر من أطباء الجراحة إضافة إلى عدد من الفنيين: قد قاموا بما عليهم من التحضير بانتظار الدكتور عنزاوي الذي لم يوفر جهداً للعناية بي فأجرى عملية ممتازة وناجحة جعلتني أكثر ثقة بهذا القطاع الصحي وازددت تعصباً له!.‏

ولن أدخل هنا في تفاصيل بعض الأخطاء التي تقع دون قصد في مشافينا العامة.. لكنني لا أجد بداً من القول: إن حجوم العمليات والخدمات الطبية المجانية التي تقدم للمواطنين بكل شرائحهم: تتم على أيدي أساتذة كبار وأطباء مختصين في هذه المشافي، ونسب النجاح فيها تكاد تقارب حد الكمال.. لكن الفقر قاتله الله: هو سبب ذلك الازدحام الكبير الذي تواجهه المشافي العامة وخاصة المواساة بكوادرها الوطنية الطبية الخبيرة التي تضاهي أرقى كوادر طبية موجودة في المنطقة إن لم تتفوق عليها وعلى الأخص بعد أن صارت معظم المشافي العامة مأجورة!.‏

ولايعفيني حديثي هذا، من القول: قد لايلقي فلان العناية نفسها التي يلقاها فلانٌ آخر وهذا صحيح..لكن الحق يفرض على المرء أن يقول كلمة منصفة: فلولا القطاع العام الصحي المجاني وفي طليعته مشفى المواساة: ماذا كان سيحل بفقراء هذه البلاد وهم عاجزون عن مداواة أنفسهم فكيف بالعمليات الجراحية؟!.‏

وهذا بدوره يحيلنا بدهياً ومن جديد إلى مسألة عمل الأساتذة الكبار في المشافي العامة.. وإلى الحديث عن التفرغ.. والحديث أكثر عن المردود المادي الذي يحققه هذا الطبيب أو غيره أو ذلك الطبيب الأستاذ وأمثاله: من الرواتب «الباهظة» في مشفى يعد مايقدمون به تجاوزاً لكل الصعاب.‏

صحيح أن الكثير من الأطباء لاينفقون أوقاتهم كلها يومياً في المشافي العامة.. لكن الأصح أن النسبة الكبرى منهم تحتاج إلى دخل يتناسب مع جهودهم ومع أوضاعهم الاجتماعية، فيضطرون إلى الاعتماد على مداخيل عياداتهم أو على العمليات التي يجرونها في المشافي الخاصة.‏

الأمر الذي يعيدنا بدوره إلى القول: اعطِ الطبيب حقه ودعه يعش حياة كريمة وحاسبه بعد ذلك على أعماله الخاصة..‏

فالطبيب الذي يتقاضى راتباً بسيطاً في المشافي العامة، لايمكن له أن يكون غيرياً إلى درجة أن يفضل المرضى على لقمة عيشه وعيش أولاده!!.‏

إن المشافي العامة - ومشفى المواساة واحد منها- على ما يعتريها أحياناً من بعض الهفوات والأخطاء غير المقصودة: تبقى الموئل الأساسي والمعول عليه الأوحد في حل معضلة الحاجة الصحية المتفاقمة في بلادنا لأنها أولاً تحوي أجهزة طبية حديثة وتملك ثانياً الطاقات والخبرات الطبية التي تعد في طليعة أمثالها في منطقة الشرق الأوسط.. ولذلك يحق لنا أن نتطلع إلى يوم نعطي فيه الطبيب مايتيح له حالة مادية كريمة ويبقي له مكانته الاجتماعية المرموقة مصانة.‏

وإذا كنا نتحدث عن اقتصاد السوق الاجتماعي، فلا بد أن نتذكر قبل الإيغال به: أن مسألة الضمان الصحي وتفعيل القطاع العام الصحي وإصلاح حاله المادية: أجهزةً وأبنيةً ورواتب، أطباء وأساتذة أطباء، هي أولى البديهيات التي يجب علينا تأمينها لنضمن للمواطنين وخاصة الفقراء منهم: أفضل الخدمات الطبية الكاملة إذ لايعقل أن تترك الأمور على الغارب إلى مالانهاية..‏

فالمشافي العامة التي صارت مأجورة والمشافي الخاصة أيضاً: لا يمكن لها أن تداوي جميع البشر مجاناً.. فمن أين- إذن- يأتي المواطن الفقير بحل لأوضاعه الصحية؟ ومن أين يأتي بنفقات المشافي بنوعيها وعلى الأخص إذا كان لايملك ثمن الدواء؟.‏

و لن يفوتنا الحديث هنا عن الخدمات الدوائية المجانية التي يقدمها مشفى المجتهد «دمشق» للصحفيين المتقاعدين بتوجيه من السيد وزير الصحة والسيد مدير صحة دمشق إذ تتضافر جهود هذه الوزارة مع جهود وزارة التعليم العالي في مشافيها التعليمية لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين .‏

وإذا كان مشفى المواساة منذ مدة يعمل على ترميم وتجديد بنائه بأقسامها كلها.. فإن ذلك يدفعنا إلى التفاؤل بأن تحذو حذوه عدد من المشافي العامة لأن الراحة النفسية للمريض قد تفعل فعل الدواء، عدا عن إعطائها مظهراً حضارياً لهذه الصروح الطبية التي تفخر بها سورية وجمهور المواطنين.‏

تعليقات الزوار

SAMI |  freijatsami@gmail.com | 30/03/2009 08:50

الحمد لله على سلامتك أحب أن أثني على مقالك، ولكن ثقافة عائلاتنا المتثاقلة بالفقر، وجشع بعض الأطباء التجار، يدفع غالبية المرضى إلى المشافي الخاصة، هذه المؤسسات التجارية صارت تشكل عبئا كبيرا على المواطن الذي يفقده بعض الأطباء الثقة بما هو عام شخصيا أدعم وأحرض للتعامل مع العام، بشرط عدم تقليص مؤسساته، ودعم الكوادر الطبية والفنية بالمال والأدوات اللازمة ابعد الله الأمراض عنا عنكم وشكرا

أيمن الدالاتي - الوطن العربي |  dalatione@hotmail.com | 30/03/2009 09:53

منطقيا ونظريا وعمليا يجب أن يمسك القطاع العام بأمور : التعليم والصحة والتموين والكهرباء والماء والوقود في الإتجاه الأفقي ,وتجب مشاركة القطاع الخاص للقطاع العام في الإتجاه العامودي.أما بقية الشؤون فهي للقطاع الخاص مع توجيه من القطاع العام.

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية