هكذا بدأ المترجم صالح علماني محاضرته التي كان عنوانها (رحلة من سيلان إلى دمشق) في المركز الثقافي الإسباني (ثربانتس).
وندين لصالح علماني بترجمة 85 كتاباً من الإسبانية إلى العربية وبفضل قلمه المتمكن لم تنطبق عليه العبارة الشهيرة (كل مترجم خائن) وتعرفنا على أعمال لماركيز ويوسا والليندي وغيرهم من أعلام الأدب الأميركي اللاتيني.
تكلم علماني عن كتابين الأول (رحلة من سيلان إلى دمشق) لمؤلفه أدلفوا ريبا دينيرا والكتاب الثاني (بريد بغداد) للكاتب خوسيه ميغيل باراس من تشيلي.
أما عن كتاب « رحلة من سيلان إلى دمشق» فقد طبع في القاهرة وقدم طبعة له عام 1869، ومؤلفه (أدلفوا ريبا دينيرا) درس الهندسة لكنه لم يمارس المهنة وتعلم اللغة العربية وأقام سنة واحدة في القدس وانتقل إلى سيلان ليشغل وظيفة نائب للقنصل ثم إلى القاهرة وبعدها اسبانيا ومنها إلى سنغافورة وموغادور في المغرب، توفي في عمر 41 سنة وكان مغرماً بشيئين: تعلم اللغة العربية وجمع القطع الأثرية.
فكان يعرف الألمانية والإيطالية والإنكليزية والعربية والتركية والفارسية وفي بداية القرن التاسع عشر شاع قدوم الرحالة الأوروبيين إلى البلاد العربية وكان هناك مغامرون وكتاب وشعراء، وهناك من جاء بمهمات محددة استطلاعية وطبوغرافية واقتصادية، وهناك رحالة إسباني آخر معاصر لريبا دينيرا وهو علي باي العباسي، الذي ادعى أنه أمير ينتمي إلى الأسرة العباسية ونال شهرة واسعة وكان مستكشفاً وعارفاً باللغة والعادات العربية وجاب ساحل الشمال الإفريقي و مختلف البلاد الإسلامية بما في ذلك القسطنطينية.
أدعى أنه عربي وقام بهذا الدور على أحسن وجه ونال حظوة عند أمير مراكش وهو شخص جريء، ماكر، محب للمغامرة، وهناك من قال إنه كان جاسوساً لنابليون ولكن هذا ليس مؤكداً.
وكتاب (رحلة من سيلان إلى دمشق) تبدأ أحداثه عام 1869 في بومباي ثم البصرة مروراً بكراتشي والسند ويصف الشواطئ هناك، ويتحدث عن استراحة في عمان ومسقط، وفي الجزء الثاني ينطلق من مسقط ويصل إلى بغداد ويقدم وصفاً عن ضفتي النهرين، ويزور آثار بابل ومنها إلى دمشق ويتخذ القرار بالالتفاف عبر الموصل، فهو صعب ولكنه جذاب يتيح له المرور عبر نينوى الطريق التجارية القديمة فضلاً عن العقبات وقطاع الطرق.
في الموصل يزور عدة مناطق منها نينوى والمدن الكلدانية والآشورية ثم دمشق بعد الانحراف إلى ديار بكر وأورفة وقرى صغيرة إلى حلب ويأتي على ذكر أشياء قليلة عن حلب لأنه سبق وأن ألف كتاباً عن رحلة سابقة له عن بيروت ثم القدس ودمشق وحلب حيث لا يتحدث عن دمشق في هذا الكتاب وتبدو واضحة رغبته بتقديم المعلومات لقارئه، ويتوغل في المناطق العربية ويصف كرم البدو على الرغم من ضيق حياتهم ويتحدث عن عاداتهم وملابسهم وطقوس عباداتهم وعن حياتهم الاجتماعية.
وأهم من هذا كله ما يقدمه من توصيف للأسواق وأسعارها في كل مدينة على حدا.
أما الكتاب الآخر (بريد بغداد) فهو روائي ممتع أكثر، للكاتب خوسيه ميغل باراس الذي مارس الصحافة والكتابة وعمل مذيعاً في سن 18 وقدم برنامج (اسمعي ياتشيلي).
لقد صاغ أعمالاً تتغذى من تجاربه الشخصية في الحياة السياسية والصحفية.
ولد في تشيلي عام 1928 تجاوز الثمانين حالياً 81 سنة.
أسس جريدة من ورقة واحدة وكان يكتب مقالات ساخرة.
ثم بدأ في نشر قصصه القصيرة، فنشر أول كتاب له بعنوان (ثرثرة) وفي عقد الخمسينيات ساهم في صحف ومجلات محلية ودولية فيقول: (الصحافة تحرضني فأشعر أنها تقربني من الأدب).
ارتبط بصداقة مع بابلو نيرودا في 1973 وخرج إلى المنفى بعد الانقلاب العسكري إلى موسكو ثم عاد إلى تشيلي ونشر أكثر من عشرة كتب بالإضافة إلى (بريد بغداد) ألف كتاب بعنوان (نيرودا) وكتاب (أحلام الرسام).
نال عام 2006 الجائزة الوطنية للأدب في تشيلي ونافسته على الجائزة (إيزابيل الليندي) حيث إنها كانت تتعرض لنقد شديد في الأوساط التشيلية إذ إنهم اعتبروها مقلدة لكتاب آخرين في تشيلي فيقول: (ولكني أحترم قدرتها الاستثنائية على السرد).
أما عن كتاب (بريد بغداد) فهو كتاب من ثلاثة محاور، قصة الصحفي الراوي الذي يتلقى المخطوطة وقصة الرسام الذي يرسل الرسائل إلى البروفيسور عن مغامراته في بغداد، وتعليقات البروفيسور الهذيانية، حيث كل شخصية ورؤيتها للواقع بلغة ساخرة.
وبلغة رشيقة ممتعة وشارحة تحدث علماني إلى الحضور في الكتابين عن بعض الصعوبات التي قد تواجه طباعة الكتب المترجمة.