بدقة, وبدون أي افتعال, أقول إن كل ماقلته, هو مجرد ثرثرة لا طائل منها, وكان من الأجدى ألا أورط نفسي فيها. وربما تكون هذه الثرثرة ضارة, إلى الحد الذي يجعل الآخر مستاءً مني. لكني, وللحق, استندت إلى عبارة أحد الأدباء بأن الحياة تحتاج إلى كثير من الثرثرة.
وجد جمال الجيش نفسه أمام عبارة شبيهة بالتي استندت إليها, فأعد حلقة خاصة, في برنامجه (مكاشفات), وخصصها للحديث عن (الثرثرة).
وهذا ليس شيئآً, بل إن(الجيش), كان قد دعا بعض جمهور الاستديو, ليناقشوا ضيفيه, وبالسهولة نفسها قدم الجميع آراءهم.
الأول: كان ضيفاً,بدا أن له علاقة بالموضوع, فتحدث عن الثرثرة بأنها نوع من التنفيس الانفعالي, أي تنفيس عن النفس, وتفريج عن الكروب. ومن ثم يتساءل: ألا تنطوي الثرثرة على شر? ويجيب بأننا دائماً بحاجة إلى من يستمع إلينا.
وهكذا, فقد استطاع الضيف الباحث, أن يخلط بين الثرثرة والبوح الوجداني, وظهر كل تفريج عن الهم ثرثرة لا طائل منها.
كان مقدم البرنامج مستمعاً جيداً, فتساءل : إذا الثرثرة حالة إنسانية وهي الإكثار من الكلام المفيد وغير المفيد. دون أن ينتبه السيد (الجيش) إلى أن الكلام المفيد ليس ثرثرة, دون أن يفهمنا هو وضيفاه إن كانت الثرثرة المفيدة حالة إنسانية أم لا.
ولكنه يستدرك بعد لحظة ويسأل: إذا كانت هناك فوائد من الناحية النفسية, فما المضار? وكأني بالجيش قد اكتشف اكتشافاً خطيراً.
لم أرغب بمتابعة الحلقة, ووددت لو أتابع قناة أخرى. ولكني توقفت وقررت المتابعة, وذلك بسبب استفاضة الضيفة الأخرى في البرنامج عن سلبيات وإيجابيات الثرثرة, ومن الواضح أن الضيفة لا تعرف حول هذا الموضوع, سوى ما تعرفه أية امرأة أو رجل على هذه الأرض.
وبالتأكيد, فإن تميز النساء بالثرثرة أمر أزلي, ويتندر به الجميع حتى أصبح الإنسان الثرثار يحكي (كلام نسوان). وبالتأكيد أيضاً, إن المرأة لديها وقت فراغ أكثر من الرجل, وهذا ما يدفعها دائماً إلى مزيد من الثرثرة لملء هذا الوقت.
كانت الحلقة غنية بالحكي وقد أتخمها جمال الجيش بالحوار المفيد, لدرجة أني اعتقدت أنه ليس هناك شيء في العالم أهم من موضوع(الثرثرة), ولا يجب أن نخصص له حلقة واحدة فحسب, بل يتوجب علينا أن نكررها مرة وثانية, وثالثة, علنا نلقي بهمومنا الصغيرة الأخرى جانباً.
لكني, ومن خلال الحس الفطري لدي, وجدت عدداً لا يحصى من المواضيع التي يمكن أن تطرح في البرنامج, والتي أود أن أقترحها على جمال الجيش منها:(تأثير المتة على العلاقة بين الزوجين)و(الحالات النفسية التي ترافق حلاقة الذقن).
خرجت بعد البرنامج, مقتنعاً بأن كل مشكلاتنا الأخرى لامعنى لها (هذا إن وجدت) ومرتاحاً جداً, وممتناً جداً من الحوار المفيد الذي طرح, لدرجة أني وجدت المبرر لنفسي بالهروب إلى قناة أخرى, فيها الكثير من الثرثرة المفيدة وغير المفيدة.