وترجمت ديناميكيتها تلك على أرض الواقع وفي المجالات كافة, المصرفية في أوكرانيا والطرقية (شق الطرق والانفاق في هنغاريا) والمالية (المشاركة في بورصة بودابست) الى جانب شراء النفط الروماني ومحطات الخدمات في تشيكيا والهواتف المحمولة من كل من بلغاريا وسلوفانيا.
وتشتد المنافسة بين الشركات النمساوية وحلفائها الالمانية والايطالية والسلوفانية في تلك الحقول التجارية المالية ولم تقف تلك الاستثمارات الأوروبية عند تلك الدول, بل تجاوزتها الى كرواتيا وسلوفانيا والبوسنة وصربيا, وتحتل النمسا اليوم رأس قائمة المستثمرين الأجانب من كل من رومانيا وبلغاريا منذ التسعينيات من القرن الماضي.
وقد وصلت نسبة المشاركة النمساوية في عالم مصارف أوروبا الشرقية الى 30% تليها نظيراتها الايطالية والبلجيكية, ومن المعروف أن المصارف تشكل عجلة التجارة في أي دولة من هنا جاء تحريكها للاستثمارات على صعيد الطاقة والخدمات والعمران والانشاءات على امتداد دول المنظومة الاشتراكية كما كانت تدعي سابقا وكانت شركة النفط النمساوية قد استحوذت على حصص نظيراتها الهنغارية(مول) والرومانية (بيتروم) ومحطات رال في الجمهورية التشيكية انطلق هذا التوسع باتجاه أوروبا الشرقية قبل عقد من الزمن بدءا من جمهورية تشيكيا وسلوفاكيا وهنغاريا وسلوفينيا ثلث تلك المسيرة موجة ثانية شملت رومانيا وبلغاريوكرواتيا لتحط اليوم في دول البلقان الغربية.
أما سر نجاح النمسا في تلك المجالات فتلخصه هذه الجملة (العمل داخل نطاق معروف) فعلى امتداد القرن العشرين ومنذ أيام الامبراطورية الاوسترو هنغارية لم يتوقف النمساويون عن تنشيط التجارة بينهم وبين جيرانهم الشرقيين الى جانب تجنبهم الوقوع في براثن ديناصورات بورصتي فرانكفورت ولندن والشركات المتعددة الجنسية واستطاعت فيينا عام 2005 اقامة تحالف استراتيجي مع بورصة وارسو ويتوقع أن تسجل العام الجاري ارتفاعا نسبته 2.4% على صعيد الانتاج بفضل صادراتها الى دول أوروبا الشرقية.
وتكتسي النمسا أهمية استراتيجية في الاتحاد الأوروبي اليوم نظرا لتدفق قرابة ألف شركة متعددة الجنسية الى فيينا للاستفادة من تجربتها على صعيد الاستثمار في أوروبا الشرقية لأنها تتمتع بمرافق حيوية وشبكة اتصالات واسعة بحرا وجوا وبموقع جغرافي في قلب القارة العجوز استطاعت فيينا التحول الى قاعدة خلفية للحركة التجارية والأسواق المالية الناشطة في أوروبا الشرقية عبر البوابة النمساوية أكان في أوكرانيا أو رومانيا.
ومع تدافع دول البلقان الغربية الى الاتحاد الأوروبي استعرت حمى التنافس بين شركات الاستثمار الأوروبية للاستئثار بأسواقها البكر أكان في صربيا أو البوسنة أو مقدونيا أوالبانيا وستنضم تلك الدول للاتحاد بعد رومانيا وبلغاريا بين العامين 2012 و,2015 فها هي المنطقة تشهد استقرارا سياسيا منذ عشر سنوات ونيف ومن المعروف أن تلك الدول تشكل أسواقا تحتاج للاستثمارات وتم في السنة الماضية وضع حجر أساس سوق للطاقة يعتبر نواة سوق بلقانية مشتركة قادمة ويسهم المستثمرون النمساويون والألمان والايطاليون واليونانيون في تحفيز العمل بهذا المشروع اليوم.
هذا بالنسبة لأوروبا الشرقية أما بالنسبة للشطر الشرقي فيعد ارتفاع مستويات البطالة من المشكلات الرئيسية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي حاليا.
ويرى المراقبون أن هذه المشكلة تشكل خطرا متناميا يتهدد التحركات السياسية بمجملها داخل الاتحاد الأوروبي فهي أي البطالة العامل الرئيسي وراء اندلاع أعمال الشغب في عدة مدن فرنسية وبريطانية, ووصلت نسبة البطالة في الاتحاد الأوروبي الى 8% أي إن هناك قرابة 20% من القوى العاملة في منطقة اليورو عاطلة عن العمل وتبلغ معدلات البطالة ذروتها في شرق ألمانيا التي تعاني كذلك من مشكلة الهجرة المعاكسة.
ولن يتسنى لأصحاب العمل تشكيل واستيعاب المزيد من العمالة ما لم يتلمسوا على أرض الواقع وجود طلب على البضائع والخدمات التي ينتجونها ويكمن الحل في تخفيض البطالة في تبني النهج الديمقراطي الاجتماعي الذي يدعو لإقامة تعاون مع الاتحادات العمالية.
أما المقترحات التي تقدم بها طوني بلير وغوردن براون المتعلقة بالاصلاحات البنيوية فستسمح بمزيد من المرونة والتغيير في آلية الدفع وظروف العمل دون اللجوء الى اجراء أي نوع من النقاشات والتسويات.
وباعتبار أن اقتصاديات الاتحاد الأوروبي أضحت أكثر ترابطا وتواصلا فإجراء تغيير على الطلب في إحدى دول الاتحاد يؤثر على الناتج المحلي الاجمالي ومعدلات التشغيل في الدول المجاورة ويتوجب على حكومات الاتحاد العمل سوية لترتيب مسألة الطلب والعرض وهذا لا يعني بالضرورة اتباع دول الاتحاد سياسات تتعلق بالميزانية النموذجية بغض النظر عن الاختلافات الموجودة ضمن الحالات الاقتصادية وخاصة في منطقة اليورو وسياستها المالية المشتركة.
كذلك أصبح مفهومها ان الهيكلية التي ستتبناها اتفاقية ماسترخت الجديدة ستحول دون انفجار أي تضخم في المستقبل فحدوث نقلة نوعية في منطقة اليورو اضحت حقيقة واقعة وهناك حاجة لترتيب توسيع الاتحاد الأوروبي ما سيؤدي الى الحد من ارتفاع معدلات البطالة التي من شأنها تهديد آلية العمل ليس فقط داخله وإنما سيؤثر كذلك في مستقبل ارساء دعائم الديمقراطية في القارة الأوروبية بمجملها.