لزعماء ا لدول الغربية لتقديم كل منهم على حده استعراضاته المغلفة بالتعاون والرياء, لسياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجونها.
وضم العديد من الزعماء الأوروبيين صوتهم إلى صوت الرئيس بوش في دعوة حركة حماس إلى التخلي عن المقاومة والاعتراف بإسرائيل, دون توجيه أي لائمة لسياسة إسرائيل في مواصلتها عمليات الاغتيالات المستهدفة, أو سيطرتها على الأراضي الفلسطينية, وهدم منازل أهاليها, وخنق الاقتصاد الفلسطيني عبر إحكام الحصار ونقاط التفتيش. وما أطلقوا عليه اسم( إرهاب) حماس واستنكروه, ولكن إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل مغفور له, وحتى مدعوم.
وكما هو متوقع هرع حلفاء إسرائيل في الكونغرس الأميركي إلى إعداد مشروع قانون يقضي بإيقاف المساعدات المالية إلى السلطة الفلسطينية بزعامة حماس, وحظر التنقل لممثليها, وإغلاق مكاتب منظمة التحرير في واشنطن وسياسة الكيل بمكيالين هذه هي التي قادت الناخبين الفلسطينيين إلى انتخاب حماس بالأكثرية, وتغذية الكراهية للأميركيين, والعنف الذي سيطر على المشهد السياسي الدولي.
والصوت الوحيد الذي خرج عن السرب جاء من موسكو, ففي الوقت الذي دعا فيه الرئيس بوش حماس إلى التخلي عن سلاحها, في خطابه عن حالة الاتحاد, أعلن الرئيس الروسي بوتين في مؤتمر صحفي عقده قائلاً( موقفنا تجاه منظمة حماس مختلف عن موقف الولايات المتحدة, وأوروبا الغربية, ووزارة الخارجية الروسية لم نعتبر قط منظمة حماس منظمة إرهابية).
والمثال المثير للدهشة عن انعدام البصيرة الغربية يكمن في دعوة حماس إلى عدم التخلي عن مسيرة السلام المنصوص عنها في اتفاقيات أوسلو وخارطة الطريق. وكأن هذه الوثائق قد دفعت قدماً قضية السلام وخدمتها. ولن أسوق هنا سوى مثالاً واحداً. لقد وصف رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيوبرلسكوني, أعتى المؤيدين لإسرائيل في أوروبا فوز حماس بقوله( إنه سيئ جداً جداً جداً). إذ إنها سوف تؤخر عملية السلام في المستقبل المنظور. وينطوي هذا التحليل على خطأ خطير. والحقيقة إن اتفاقيات أوسلو وخارطة الطريق قد أعلن موتهما ودفنهما, لأن الغرب لم يبحث في فرضهما, بل على العكس من ذلك, ترك إسرائيل تستخدمهما كغطاء لسياستها التوسعية. ولذلك يتعين الآن الانطلاق من خلال أسس جديدة. وانتصار حماس قدم الفرصة المناسبة. إذاً لم يتم إفراغ اتفاقيات أوسلو وخارطة الطريق من مضمونها من قبل الفلسطينيين, وإنما بسبب رفض آرييل شارون المتعنت إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين, رغبة منه في التصرف منفرداً, ومحاولة وضع حد للانتفاضة عبر اغتيال زعمائها.والأهم عزمه على رسم حدود إسرائيل, ومن جانبه فقط, داخل الضفة الغربية عبر بناء جدار الفصل, وبناء المزيد من الكتل الاستيطانية والمناطق الأمنية. إن ا لعائق الحقيقي أمام السلام ليس المقاومة الفلسطينية حتى حين تقوم هذه المقاومة بالعمليات الاستشهادية.ولكن وحسب تعبير جيفري أرومسون, المراقب الدولي للسياسة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة( سرقة الأراضي على مستويات كبيرة من أجل الاستيطان). وفي آخر تقرير له صدر عن المؤسسة من أجل السلام في الشرق الأوسط, التي تتخذ من واشنطن مقراً لها, كتب يقول:( يميز الاحتلال الوحشي والتعسفي متجلياً عبر الاستيطان العلاقات الحالية بين إسرائيل والفلسطينيين) وبالتالي يترجم فوز حماس كرد على سياسة الاستيطان الإسرائيلية, مثلما المقاومة في العراق هي رد على الاحتلال ا لأميركي, ففي الحالتين المشكلة هي الاحتلال الأجنبي وهذا يعني أن السلام لن يتحقق إلا بزوال الاحتلال.
وفي الواقع, يعتبر عدم رغبة الأميركيين بحمل إسرائيل على إنهاء احتلالها, وتفكيك مستوطناتها, وإفساح المجال للفلسطينيين لكي يتنفسوا الحرية, والسبب الرئيسي في انبثاق حركة حماس كقوة أساسية في صناعة السياسة الفلسطينية.وفي صورة تشبيهية, مثل انبثاق حزب الله كقوة رئيسية في السياسة اللبنانية, لأن الولايات المتحدة أطلقت يد إسرائيل في احتلال الجنوب اللبناني لمدة 22 عاماًَ.
والمسألة الآن هي معرفة إن كان ممكناً قيام تفاهم بين السلطة الفلسطينية الجديدة بقيادة حماس, والحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء المؤقت ايهود أولمرت, زعيم حزب اليمين الوسط كاديما وتلك القضية مرتبطة بالانتخابات المقبلة في إسرائيل المقررة في 28 آذار المقبل. وفي حال حصل حزب كاديما على الأغلبية المطلقة, من الممكن أن يقوم أولمرت ببعض المفاجآت , إذ ربما يعقد تحالفاً مع حزب العمل بزعامة عامير بيريتز.
وعلى الورقة تبدو مواقع الطرفين متباعدة جداً من أجل التوصل إلى اتفاق بينهما. وقد حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي أولمرت في خطاب ألقاه في 24 الشهر المنصرم, حدّد الأهداف الاستراتيجية وتطلعات بلاده( سوف تحتفظ إسرائيل بالإشراف على المناطق الأمنية( وتضم وادي الأردن, والكتل الاستيطانية اليهودية. والأماكن التي لها أهمية قومية عليا للشعب اليهودي, وأولها مدينة القدس الموحدة تحت السيادة الإسرائيلية, ومن غير الممكن إقامة دولة يهودية دون أن تكون القدس عاصمتها, ولن نسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى دولة إسرائيل).
والجواب جاء على لسان خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس عبر خطابات عديدة ألقاها, ومقابلات حديثة أجراها.
وفي مقال له نشرته صحيفة الغارديان في عددها تاريخ 31 الشهر المنصرم, كتب يقول:( لن تتخلى حماس أبداً عن مطالبتها بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني, ولا شيء في العالم يمكن أن يمنعها من مواصلة العمل لتحقيق أهدافها في التحرير والعودة) ويتوجه مباشرة بالقول إلى الإسرائيليين (صراعنا معكم ليس دينياً,بل سياسياً, لن نعترف البتة بأي قوة لها الحق بسرقة أراضينا والتنكر لحقوقنا القومية ومع ذلك, إن وافقتم على هدنة طويلة الأمد, فنحن مستعدون للتفاوض معكم على شروطها, إن حماس تمد يدها السلمية إلى أولئك المهتمين والساعين إلى إقامة سلام أساسه العدل). من جهتها طالبت حماس بالمعاملة بالمثل مع إسرائيل, ستوقف عملياتها الانتحارية( ألم تلتزم بهدنة استمرت عشرة أشهر)? في حال توقفت إسرائيل عن عمليات الاغتيالات المستهدفة. واستعدادها الذهاب إلى مفاوضات السلام في حال تخلت إسرائيل عن سياستها التوسعية, وانسحبت من الأراضي المحتلة ووافقت على تقاسيم القدس.
وتسعى مصر إلى التقريب بين منظمة حماس وحركة فتح, وإقناع منظمة حماس بالانضمام إلى مبادرة القمة العربية في بيروت عام 2002 والتي تنص على إقامة علاقات سلمية وطبيعية بين إسرائيل والدول العربية, بشرط انسحاب إسرائيل إلى حدود عام .1967وقد رفض شارون هذا الاقتراح. والآن, تواجه إسرائيل خيارين : إما مواصلة سياسة شارون القائمة على أساس فرض حدود إسرائيل التوسعية بالقوة على الشعب الفلسطيني المعادي- وتصطدم بمقاومة فلسطينية شرسة- أو دراسة إمكانية عقد تفاهم.
وعلى العالم أجمع, ولا سيما أصدقاء إسرائيل في الغرب, وضع ثقلهم لصالح الخيار الثاني, لأنه ربما في ذلك الفرصة الأخيرة للسلام لهذا الجيل قبل أن تجر الأحداث على الأرض الطرفين إلى مواصلة الحرب.