بإجراء زيارة استطلاعية لمعتقل غوانتانامو, ونظرا لكوني مستشارة في البرنامج الأميركي للدفاع عن حقوق الإنسان, فقد شاركت هذا الفريق بتلك الزيارة التي لم تحقق ما نصبو إليه من وقوف على واقع المعتقل والمعتقلين إذ إن إدارة السجن حالت دون إجراء التواصل مع السجناء ولم نستطع التعرف على معاناتهم, وبذلك تولد لدي شعور أن الزيارة غير مجدية ولم تضف إلى معلوماتي عن هذا المعتقل أي جديد.
بالرغم مما أقره البنتاغون من موافقة لمنظمة حقوق الإنسان بمراقبة إجراءات لجنة التحقيق العسكرية, إلا أن تلك اللجنة منعت الصحفيين من التحدث إلى أي من السجناء وحظرت عليهم نشر أي كلام يمكن أن يلقي الضوء على السجن والسجناء.
لقد مضت أربع سنوات منذ أن اقتادت القوات الأميركية في أفغانستان الكثير من الأشخاص المعصوبة عيونهم والمرتدين الملابس البرتقالية إلى طائرة نقلتهم من أفغانستان إلى كوبا دون أن يعلموا إلى أين سيقتادونهم وما هومصيرهم.
في بداية الأمر أعلنت إدارة بوش أن أولئك المعتقلين من النوع الخطر لكننا وبالرغم من مرور تلك السنوات لم يتسن لنا معرفتهم ومعرفة الأفعال التي قاموا بها والتي دعت الإدارة الأميركية إلى اعتقالهم كل هذه الفترة, وكما قامت السلطات الأميركية بالإفراج عن المئات من السجناء ولأسباب تتعلق بعدم قيامهم بمقاتلة الجيش الأميركي, أو أنهم لم يرفعوا بنادقهم للدفاع عن أفغانستان ضد الغزو الأميركي أو لأنهم لم يقوموا بأي شيء يقود إلى الخطر على تلك القوات.
يوجد في معتقل غوانتانامو 500 سجين (يسميهم الرئيس الأميركي بوش مقاتلو العدو) ولم تستطع لجنة حقوق الإنسان معرفة أي منهم كما أنه ليس هناك من ثقة بالإجراءات الإدارية التي أعدتها وزارة الدفاع لاتهامهم وتبرير حجزهم, إذ إن هناك افتراضات تقوم على اعتبار المعتقل عدوا مقاتلا ولم تقم الجهات المعنية في الإدارة الأميركية بالتثبت من مدى صحة تلك الفرضية, بل إن البنتاغون برر تلك الأفعال بأن ذلك قانون الحرب الذي أعطى للوزارة الحق بزج أي شخص في معتقل غوانتانامو والاستمرار باعتقاله حتى نهاية الحرب على الإرهاب, وبناء على قانون الحرب هذا تم اعتقال الكثير من الرجال الذين شاركوا في النزاع الذي جرى في أفغانستان والذي انتهى بعد شن الحرب على هذا البلد, وعلى ذلك كان على الإدارة الأميركية أن تطلق سراح من تم أسرهم بعيدا عن ساحة المعركة أو إحالتهم أمام المحاكم أصولا لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم منذ أربع سنوات صرح دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي بأن السجناء لن يخضعوا إلى أي نوع من أنواع التعذيب الجسدي أو النفسي أو المعاملة القاسية, إلا أن تلك الإدعاءات تجافي الواقع الذي ظهر جليا في الصور التي بثتها وسائل الإعلام من أعمال التعذيب التي قامت بها القوات الأميركية في معتقل أبو غريب وغوانتانامو والتي تؤكد عدم صحة تصريحاته السابقة في هذا السياق.
لقد تبين من أقوال السجناء الذين تم اطلاق سراحهم وموظفي مكتب التحقيقات الفيدرالية ومن الوثائق والمذكرات أن إدارة بوش قد ضربت صفحا عن اتفاقية جنيف التي نصت على عدم استخدام أساليب التعذيب النفسي والجسدي مع المعتقلين.
لقد ثبت أن وزير الدفاع رامسفيلد قد أوعز للسجانين في غوانتانامو باستخدام أساليب التعذيب المختلفة مثل الموسيقا العالية التي تصم الآذان ووضع السجناء في زنزانات صغيرة لمدة طويلة, وحرمانهم من النوم لعدة أيام وإجبارهم على تقليد الكلاب في نباحهم ورميهم على الأرض وسحبهم من شعرهم.
لقد استبعدت إدارة بوش كل ما يتعلق بالعدالة إذ لم يمض شهران على هجمات 11 أيلول حتى خول بوش لجان التحقيق العسكرية باتخاذ الإجراءات السريعة بحق المعتقلين بالرغم من المحاذير التي تكتنف تلك العملية حيال التوصل إلى نتائج غير دقيقة تقود إلى إجراءات مخالفة.
بالرغم من وجود ما يسمى بلجان التحقيق العسكرية ووجود محامين للدفاع عن المعتقلين, فإن تلك اللجان كانت تستقي إجراءاتها مما تتلقاه من توجيهات من وزارة الدفاع, ويبدو أيضا أن تلك اللجان لم تعمد إلى الأخذ بالمعلومات التي تقود إلى براءة المعتقلين بل تكتفي بمؤشرات الإدانة,وكما أن أيا من السجناء يستطيع الطعن بالاتهام الصادر بحقه نتيجة وجود الدلائل والمؤشرات التي تؤكد بأن المعلومات التي أدلوا بها كانت نتيجة ما تعرضوا له من تعذيب جسدي ونفسي, وفضلا عما سلف من إجراءات مخالفة فإن المتهم يسلب حقه في الدفاع عن نفسه وتخفى الكثير من الأمور عن المحامين الذين تمت تسميتهم للدفاع عن أولئك المعتقلين.
بالرغم مما أقرته المحكمة الأميركية العليا من صلاحية السلطة القضائية للمحاكم الاتحادية بمحاكمة الأسرى فقد تجاوزت الإدارة الأميركية هذا الإجراء وبقي معتقل غوانتانامو خاضعا لسلطة الرئيس الأميركي وتم التعتيم على هذا الأمر من قبل الكونغرس.
بإمكان القيادة الأميركية أن تصلح مسارها في الإجراءات المتخذة بما يخص معتقلي غوانتانامو, وذلك بقيامها بإطلاق سراح كل معتقل تم حبسه دون ارتكاب أي جرم, كما يتعين عليها تقديم المعتقلين المتهمين بارتكاب جرائم ضد القوات الأميركية إلى المحاكم العسكرية أو محاكم الجنايات وفقا للتهم المنسوبة إليهم, ويتعين عليها أيضا السماح للسجناء بالتحدث مع الجهات الإعلامية التي ستقوم بدورها بنقل ما تعرض إليه المعتقلون من أمور وأحداث جديرة بأن يقف عليها العالم.
لقد مضت أربع سنوات على ادعاء رامسفيلد بأن عمليات الاعتقال تمت بشكل شرعي ووفقا لأنظمة حقوق الإنسان لكن الواقع ينافي ادعاءاته فهل يمكن لنا أن نصدق أي كلام يقوله رامسفيلد?