وبذلك يكون هناك نوع من الرمزية في قرار رئيس وزراء فرنسا دومينيغ دوفيلبان أن يختار نفس المكان لحديثه الأول الكبير عن أوروبا في الثامن عشر من كانون الثاني. كان حديث دوفيلبان مقتضباً حول الطموح المؤسساتي بالمقارنة مع فيشر , لكن ذلك ليس مفاجئاً , ففرنسا في حالة تشوش حول أوروبا بعد ثمانية أشهر من رفض الناخبين الفرنسيين لدستور الاتحاد الأوروبي.
لقد دعا دوفيلبان إلى إحياء الديناميكية الفرانكو- ألمانية لجعل الاندماج الأوروبي يتحرك من جديد, وبطريقة تستجيب لمخاوف مواطنيه , وإذا أعلن دوفيلبان ( أن فرنسا لم تقل لا لأوروبا) لكنها قالت ( لا لأوروبا التي لم تعد تفهم غرضها), بقي صامتاً حول الاقتراحات الدستورية النهائية.
معظم الأفكار الفرنسية حول أوروبا هذه الأيام تدور حول السياسة الاقتصادية والاجتماعية فقد دعا الرئيس جاك شيراك إلى أوروبا الأكثر تنافسية والأكثر اجتماعية. واقترح الفرنسيون سياسة أوروبية عامة للطاقة ولإنفاق المزيد على البحث والاختراع, ودعت كاترين كولونا وزيرة فرنسا في أوروبا إلى المزيد من تبادل الطلاب وإلى خدمة مدنية أوروبية. واقترح دوفيلبان شرطة حدود فرنسية - ألمانية.
وبشكل ما, يبدو هذا التأكيد على الأشياء غير الدستورية طبيعياً.
فأوروبا لا تزال تعيش الصدمة بعد ال (لا ) الفرنسية والهولندية الصيف الماضي وما من أحد سيضع اقتراحات دستورية ملموسة على الطاولة حتى قمة الاتحاد القادمة في حزيران مع نهاية الرئاسة النمساوية للاتحاد. فالأفكار الفرنسية بشكل خاص ضعيفة وهناك فرصة ضئيلة لأن تحظى أي أفكار فرنسية بالدعم في أوروبا الآن كما يقول المتخصص الأوروبي سيلفي غولارد من جامعة بو للعلوم.
فرنسا لم تعد تدري إلى أين تريد الاتحاد الأوروبي أن يمضي. ومع ذلك فإن الحاجة للاتجاه الواضح تعكس أشياء أخرى أيضاً : الارتباك الداخلي حول ما تريده فرنسا حقاً, فقد عبر الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكارديستان الذي رأس المؤتمر الذي أعد مسودة دستور الاتحاد الأوروبي عن ذلك بشكل لاذع:( للمرة الأولى منذ خمسين عاماً, لم تعد فرنسا تملك مشروعاً لأوروبا).
المجال الوحيد الذي هناك اتفاق حوله هو المجال الذي لا أحد يجرؤ على ذكر اسمه : رفض النظر في استفتاء آخر وبطريقة أخرى لاحياء الدستور المرفوض , فرغم معارضة بعض الدول التخلي عن النص , فإنه ينظر في باريس إلى فكرة استشارة المقترعين الفرنسيين ثانية على أنها سخيفة. ويعلم الرئيس الفرنسي الذي انهارت شعبيته أنه ليس في وضع يسمح له بإقناع الفرنسيين باعادة النظر بأفكارهم وموقفهم.
ليست مشكلة فرنسا أن مواطنيها في مزاج رافض ومتجهم فقط, بل هي سنة ما قبل الانتخابات أيضاً, فكلا الخصمين العنيدين على اليمين , ساركوزي ودوفيلبان, منهمك في معركة الانهاك التي تضمن فصلاً معاكساً حول أوروبا, وأشياء كثيرة أخرى, أما بالنسبة لشيراك الواهن الذي أنهكته ال (لا) الفرنسية , فهو بالكاد في وضع يؤهله لقيادة أي تفكير أوروبي , وكما علقت صحيفة ليبراسيون مؤخراً ( إنه مثل محترق يعرض خدماته لرجل الإطفاء).