تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


صــور تشــبهنا !!

مجتمع
الأحد 15-2-2015
غصون سليمان

قد لانضيف جديدا إذا ماستعرضنا بعض الصور والمشاهد من عادات وتقاليد كانت متأصلة بالفطرة ومازالت عند الغالبية منا وإن تقلص سلوك بعضها أو غادرت وذهبت مع من كان قليل الوفاء وضعيف الانتماء ،

وربما تقلصت بحكم الخوف والقلق الطارىء نتيجة أجنحة الأزمة المتعددة الأوجه والأوجاع التي أفرزت قلة الأمان وعدم التصديق وضعف الثقة بكل من حولنا إيجابا أم سلبا ..‏

وإن غاب بعضها لفترة فقد عادت هذه المروءة والإحساس بالآخر بقوة تلك العادات إلى سابق عهدها دون التدقيق بالظرف والشكل والمظهر وبعض التفاصيل ، ومن تلك الانفراجات المعتادة في حياتنا اليومية هو عودة روح الطلب من بعضنا البعض أي المساعدة إذا ماوقع أحدنا في ضيق ما( كأن يحمل أشياء ثقيلة ، مريض يتعثر في السير والخطا ، شخص أضاع بوصلة المكان الذي يريد الذهاب إليه القيام من مكان ما وإجلاس كبير أو سيدة أو أم وغيرها الكثير من الأمثلة التي تصادفنا ) ولعل من تلك الصور التي لفتت انتباهي منذ مدة قصيرة وأيقظت في مساحة شعوري ذاك الحنين العفوي والتلقائي في السلوك العام ،فهذه سيدة تحمل طفلها بين يديها إلى جانب المحفظة الخاصة وكيس آخر مليء بالحاجات وما إن صعدت السرفيس حتى بادر أحد الجالسين وتناول منها الكيس وأخرى الطفل كي تجلس في مكان مناسب ،فيما هي التفتت إلى ذاك الشاب وقالت له :شكرا لك ياأخي الله يحمي شبابك سامحنا عذبتك معي وبعد ان أمن لها بقية الأغراض التي كانت بحوزتها وهي المنتقلة من مكان لآخر في مقدمة السرفيس قال الشاب تريدين شيئا آخر ياأختي .. شكرا يعطيك العافية ..‏

لو خليت خربت‏

التفتت هذه السيدة نحوي في المقعد الأخير وقالت فعلا لو خليت خربت كما يقال فقد طلبت من هذا الشاب أن يساعدني كي أصل إلى الكراج وعذبته بحمل الأشياء الثقيلة نوعا ما ومع ذالك لم يتردد وتقبل الأمر بكل احترام واعتبره واجباً ..هنا عقبت سيدة مهجرة من خان أرنبة بعبارة ،هذه سورية يابنتي ومع تنهيدة آه طويلة تحرك كل الأوجاع الدفينة استكملت العبارة الله لايسامح كل من تآمر وسبب الخراب والدمار لهذا الوطن العزيز بعدما وصلنا إلى مرحلة من الأمان والتطور والاكتفاء من كل الحاجات والضرورات إلى درجة لم نحسد أحدا في هذا العالم ..واختتمت هذه السيدة السورية الوقورة كلامها هذا بدمعة حارقة اختصرت الكثير من الصور والمشاهد والألم السوري الذي طفا على كل شىء ..‏

في هذه اللحظات اتصل الزوج الذي ودع زوجته في طريقه إلى مكان عمله ليطمئن على وصولها بخير إلى الكراج أجابت تيسر الله معك أنا الآن أصبحت بالسرفيس ساعدني ابن البلد ابن سورية بحمل الأغراض لاتأكل هم ..‏

أما اللوحة الثانية في هذه المصادفة اليومية أن هناك سيدة أخرى بحثت مطولا بعض الشيء في حقيبتها الصغيرة لدفع الأجرة فما كان من التي تجلس بجانبها إلا أن سألتها أنا أدفع عنك ياخالة اسمحي لي .. فردت عليها بالشكر وقالت الحالة مستورة والحمد لله شكرا لذوقك ..‏

وما إن تابعت المركبة في انطلاقها لعدة أمتار حتى ترجل عجوز بائس في ملامحه العامة وبعد أن دفع الجميع المائة ليرة أجرة الراكب تعذر هذا العجوز وقال للسائق مخاطبا هل تقبل بخمسين ليرة لايوجد معي زيادة وقبل أن يبدي سائق السرفيس امتعاضه الخفي بادر أكثر من شخص لإعطائه كامل الأجرة أي مئة ليرة مع كلام رقيق طيب خاطر هذا العجوز،حيث تحدثت قسمات وجهه بكثير من الأسرار والرضا قد نلمسها بالشعور والإحساس ونظرات العيون الحائرة ..‏

«كأس متة » مع طلعة شمس‏

أما الأهم في هذه الرحلة اليومية ماذكرته إحدى السيدات ونحن نتبادل أطراف الحديث والله مافي مثل سورية هذه حقيقة لايمكن لمخلوق أن ينكرها لكن أكثر من يحس بذلك من ابتعد عنها يوما برضا أو بقسر ، رغم كل ما حدث من ضغط وحصار وتجويع وغلاء وإرهاب وخوف وتهجير ، فذكرت هذه السيدة كيف أن بعض أهلها وحماتها ممن غادر سورية إلى ألمانيا منذ عامين إلى عند الأبناء وكم وقعوا في حالة من الندم والأسى والملل والألم إذ لاطلعة أو ظهور خارج حدود المنزل ..لذلك كانت جميع الاتصالات التي تتم بين الفينة والأخرى تسمع في خفايا الصوت ذلك العزف السوري للشوق والحنين للأهل للناس لسورية المطعمة دائما بكلمة ..آخ والله كاسة متة مع طلعة الشمس والجلوس في الجنينة أو مع أي جارة في الحارة تساوي ألمانيا بكل مساحتها .. يارب تفرج الحال كي نعود إلى حيث كنا في سابق عهدنا في الراحة والأمان والمحبة والألفة ..‏

قد تكون الصور بسيطة في سردها لكنها عميقة في دلالاتها التي نراها كل يوم فقد خفت كثيرا حالات التوتر والتشنج والنرفزة وبدأ الغالبية يستوعبون خصوصية مجتمعنا الطيب بالأساس وكل ماطرأ عليه من تغيرات عبثية لابد أن نبعدها جانبا ونركنها حيث يجب أن تركن ..خارج الحدود وخارج القلوب وخارج النسيج الاجتماعي السوري الأصيل والمتميز..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية