تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


التشكيلي صلاح الدين محمد... تجربـة إبداعيـة متعــددة الجوانـب

ثقافة
الأحد 15-2-2015
أديب مخزوم

صلاح الدين محمد علامة فارقة في النقد التشكيلي المحلي والعربي، حساسيته البصرية والروحية العالية، جعلته يكتب وينفتح على معطيات ثقافية متجددة، تتصالح مع ذاتها باستمرار،

ولقد تفاعل منذ بداياته في مطلع السبعينات مع الكلمة المنسابة انسيابأً موسيقيأً، ربما لأنه آمن بعبارة لبول كلي: «من يرسم يجب أن يمتزج بالموسيقا».‏

في وضع صحي غير مستقر‏

وهو من مواليد 1949 واختير عضوا في هيئة تحرير مجلة الفن العربي الصادرة عن الاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب1981والهيئة الاستشارية لمجلة فن الصادرة في لندن 1987 كما أنه من النقاد السوريين القلائل الذين يكتبون بلغة نقدية تشكيلية بالعربية والانكليزية، والمعروف عنه دوره الريادي في اعداد الأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية المتخصصة في الفن التشكيلي، ومن المساهمين البارزين في رسم الصورة الثقافية للحركة التشكيلية على مدى أكثر من أربعة عقود، ولقد قام بتأليف كتاب تحت عنوان: الشام الجديدة، صادر عن التجمع التعاوني السكني للنقابات المهنية في دمشق 1996، و هو يضاف الى سلسلة بحوثه وكتبه ودراساته. ويذكر أنه خرج منذ أيام من المستشفى، ونأمل أن يتماثل للشفاء العاجل، ووضعه اليوم افضل من الأمس، رغم أن حالته الصحية العامة غير مستقرة وتدعو للقلق.‏

التشكيل جزء من العمارة‏

ولقد فتحت له دراسته الجامعية، وتخصصه في الهندسة المعمارية، المجالات الشاسعة لدخول عالم النقد الفني، على اعتبار ان الفن التشكيلي هو جزء من العمارة، وشكلت لوحاته، التي كان يرسمها ويعرضها في السبعينات والثمانينات، والتي يمكن ادراجها في اطار الواقعية القصوى، المدخل لدخول عالم الكتابة النقدية في الفن التشكيلي. حيث شارك في اكثر من مئة ندوة محلية وعربية ودولية، كان اولها عن تأثير الفن العربي على الفن الغربي، في مقر اتحاد الكتاب العرب بحلب 1974، وأهمها الندوات الدولية الموازية لبينالات وترينالات القاهرة والكويت 1993-1994-1996 - وقام بتنظيم العديد من الفعاليات الثقافية الكبرى، مثل مهرجان المحبة والسلام باللاذقية (1992).‏

أفلام وبرامج تلفزيونية تاريخية وتشكيلية‏

صلاح الدين محمد، مهندس معماري، وجد مكانه في الفن والتأليف والبحث والتقصي، وانجز اكثر من اربعين فيلما سينمائيا، وهذه الافلام تكتسب اهميتها، بعد صدور سلسلة من الكتب التزويرية والمكتنزة بالأخطاء والمغالطات، ولا سيما في العقد الأخير. والمعروف عنه عشقه المزمن لمعطيات الحضارات الانسانية المتعاقبة، منذ العصور الحجرية الغابرة في فجر التاريخ حتى فنون مابعد الحداثة، وثقافته الواسعة والمتشعبة والمتنوعة المصادر في هذا المجال (ونشير هنا الى مكتبته الغنية بكل ماهو نفيس ونادر من امهات المجلدات والكتب والمطبوعات الاجنبية والعربية) والتي تركت أثرها الواضح على بحوثه وكتاباته وبرامجه، ولقد برز هذا بوضوح في برنامجه (آفاق حضارية) الذي قدم فيه المزيد من الوثائق التاريخية النادرة، التي هي خلاصة وثمرة عمر من البحث والمتابعة والتقصي، والتي تقدم أجوبة نهائية لتساؤلات اشكالية، رافقت سطوع حضارات وأفول أخرى، مركزا على ابراز الأثر الذي تركته الحضارات السورية المتعاقبة على معطيات الحضارات الغربية، على صعيد العمارة والفن.. كل ذلك بلغة النقد التطبيقي وبالصورة المقارنة، وعلى سبيل المثال قدم الدليل القاطع أن بعض المعالم المعمارية الحضارية في دمشق، شكلت مصدر إلهام لدى معماريين أجانب قاموا تشييد معالم معمارية شهيرة على غرارها.‏

ولقد منح ميدالية ذهبية وشهادة تقدير عن مشاركته في الندوة الدولية عن فن الغرافيك في القاهرة 1993 وميدالية ذهبية وشهادة تقدير عن مشاركته في الندوة الدولية عن فن مابعد الحداثة في القاهرة 1994وميدالية ذهبية عن عضويته في لجنة التحكيم الدولية في بينالي القاهرة، والدرع الذهبي عن مشاركته في الندوة العالمية عن الحضارة العربية في الكويت 1996 والجائزة الفضية للبرامج الثقافية في مهرجان الاذاعة والتلفزيون في القاهرة،عن فيلمه الحضارة الاسلامية في سورية 1996 وشهادة تقدير من نقابة الفنون الجميلة عن مساهمته في ابراز دور الفن التشكيلي، وميدالية عن دوره الاعلامي 1996 وهو عضو استشاري في المعهد الامريكي للسيرة الذاتية (abi) الذي يختار مشاهير العالم ويصدر (who whos).‏

البعد الموسيقي لثقافته‏

ولقد برزت اهتمامات صلاح الدين محمد بالموسيقا وركز لاظهار كيف استقى الغرب معظم آلاته الموسيقية من الشرق،ولقد دعم ذلك بوثائق من أرشيفه النادر، وفي هذا الاطار له دوره الحيوي في ادارة مهرجان الأغنية السورية ( 1996-1995-1993 ) بصفته مسؤولاً عن لجانه الثقافية.‏

فعمق الفن الحديث، يكمن في الاستفادة من الامكانات اللامحدودة لموسيقا الألوان والخطوط العفوية، وهو الأكثر قدرة على اطلاق الإيقاعات اللونية الغنائية التي توحي بالموسيقا البصرية في المدى التشكيلي. كما انفتحت كتاباته النقدية التشكيلية على مختلف الفنون (موسيقا، شعر، مسرح..) وهذا عمل على توطيد وتعزيز وتطوير تعبيرية النص التشكيلي.‏

هكذا برز دوره الريادي في بلورة الاتجاهات النقدية الحديثة، التي يمكن أن تثمر في المستقبل بظهور جمهور عريض للفن التشكيلي، على غرار الفنون الأخرى، عندئذ تتحول كل الأعمال التشكيلية إلى ظاهرة جدلية تواكب التطور التكنولوجي، وتشارك في تكوين الذوق العام. فالمعرفة الجمالية المعاصرة، المقروءة في بحوثه وأفلامه وبرامجه تشكل منطلق الاحساس والتذوق وعصب ثقافة العين والروح،والمدخل الحقيقي لتنمية الحساسية الفنية البصرية لدى الجمهور، هذا إلى جانب اهتمامه بمحاولات اختراق حاجز الاتجاهات التربوية الفنية الراكدة من مفهومها الكلاسيكي، الى مفهوم عصري متقدم، يمكن من خلاله للمشاهد أن يقرأ ويعيش داخل العمل الفني ويكتشف جمالياته عبر لغة شاعرية قريبة من عواطفه وأحلامه، فالمتلقي هنا ينفعل داخلياً مع اللوحة أواللوحة ويصبح أكثر تفهماً للعمل الذي يجذبه ويثير انتباهه.‏

مقاربات هندسية‏

وفي عودة الى النص النقدي، الذي كتبه عن الفنان الراحل لؤي كيالي، في الكتاب الذي صدر عام 1999 نجده وظف خبرته في التحليل الهندسي المقارن، وهذا ما ذهب اليه ايضا في كتابه عن حياة وفن عزالدين شموط.‏

ولقد كان أول من أكتشف سرقة توفيق طارق للوحة المسماة ابو عبد الله الصغير، والتي هي في الاساس منسوخة عن لوحة استشراقية لبول لويس بوشار انجزها عام 1893ومنشورة في كتاب يحمل عنوان: orient in western ولقد عرض اللوحتين المتطابقتين في نهاية الثمانينات، في برنامجه التلفزيوني، ثم أثيرت القضية في محاضرات وندوات وصحف عديدة.‏

وعلى الرغم من الضجة الإعلامية الواسعة، التي أثيرت ولا تزال تثار، حول اللوحة بطريقة أثارت فضيحة، فإن اللوحة المنسوخة لاتزال تنشر في الكتب والمجلات والصحف ومواقع الإنترنت، على انها من إبداع توفيق طارق، وبالتالي فأنصاف الصحافيين والدخلاء والمتطفلين، والذي لا تتوفر لديهم أدنى حدود المعرفة والمتابعة، لا يزالون يمهرونها بإمضائه وكأن شيئاً لم يكن.‏

وهناك فرق شاسع بين الدخول إلى عالم الشرق في شكل مفتعل وبين استعادة الطابع السحري لأجواء التراث العربي كما قدمه صلاح الدين محمد بطريقته الخاصة، التي توقظنا على حقيقة جديدة، هي حقيقة الانطلاق في رحاب التاريخ الحضاري، الذي ترك تأثيرات سحرية ومباشرة على معطيات الحضارات الغربية. وتأصيل عناصر ظهور نهضة تشكيلية عربية جديدة وخاصة ومغايرة لطروحات الثقافة الأوروبية المعاصرة.‏

facebook.com/adib.makhzoum‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية