تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فيلم قصير ولكن ... يشي بالكثير!

متابعات سياسية
الأحد 15-2-2015
عبد الرحمن غنيم

من شاهد الفيلم الذي يصوّر واقعة إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً لا يملك في الواقع إلا أن يستنتج أمرين:

أولهما - أن هذا الفيلم يرقى في تصويره ومنتجته وإنتاجه إلى مستوى أفلام هوليود، ولا يمكن أن يكون من صنع مقاتلين هواة، الأمر الذي يثير التساؤل المشروع حول حقيقة الفريق الذي قام بإنتاجه، وحقيقة الجهة التي قامت بإعدام الطيار الأردني بهذه الطريقة البشعة، وحرصت على توثيق الواقعة بهذه الحرفية.‏

وثانيهما - أن هناك جملة من الملاحظات التي تكفي لإثارة الشك حول هويّة الفاعلين، وما إذا كانوا داعشيين حقاً أم أنهم من تشكيل آخر مختلف !!. وبالطبع، فإن هناك أهمية كبيرة تنطوي عليها محاولة تقصّي هوية هؤلاء.‏

وبوسعنا إيراد هذه الملاحظات على النحو التالي :‏

1 - إن أفراد العصابة الإرهابية الذين جرى استثمارهم في تصوير الفيلم جرى انتقاؤهم ليكونوا ليس فقط طوال القامة، ولكن أطوالهم وحجوم أجسامهم تبدو كلها متقاربة، كما لو كانوا قد فصلوا على قالب مشترك، أو كما لو كانوا بالنسبة لمن يشاهدهم نموذجاً متكرراً لشخص واحد.‏

2 - إن اللباس الموحّد الذي اختير لهؤلاء يشي بأنهم جنود أو مرتزقة أجانب من نموذج مرتزقة بلاك ووتر أو شركة أمنية مماثلة وليسوا من القاعدة. ومن ينظر إلى صورتهم كما ظهرت في الفيلم ودون أن تكون لديه فكرة عن الموضوع سيخطر بباله أنهم جنود أميركيون من فرقة خاصة.‏

3 - لا يكترث أعضاء القاعدة كثيراً بإخفاء ملامح وجوههم، أو يتعمد بعضهم ذلك دون آخرين. أما هنا فنحن أمام فريق معنيّ بإخفاء ملامح الوجوه بعناية وبقرار مركزي.‏

4 - إن غطاء الرأس أو اللثام الذي اختير لهؤلاء في لونه وشكله يختلف عما هو شائع لدى إرهابيي القاعدة. وبشكل خاص يمكننا ملاحظة غياب العصبة السوداء التي تلف بها الرأس وتحمل شعار القاعدة.‏

5 - اعتاد الناس أن يروا جميع الأفلام العائدة لداعش وجبهة النصرة وغيرها من العصابات الإرهابية التكفيرية مشبعة بإبراز أعلام وشعارات القاعدة السوداء. ولكن هذا الفيلم لم يعكس هذه الصورة، ما يرجّح أنها تتعلق بجماعة أخرى غير داعش، أو بتعبير آخر بتشكيل من المرتزقة الأجانب.‏

6 - إن الفيلم على قصره مشبعٌ بالرموز. فالقتلة أقرب في ملابسهم ومنظرهم العام إلى القوات الأميركية الخاصة منهم إلى مقاتلي القاعدة. والضحية ألبسوه الرداء البرتقالي الذي اشتهر بارتدائه سجناء غوانتانامو، وأما المشهد العام المحيط فما فيه غير رمال ممتدة، وقفص حديدي مكعب الشكل يتوسط المشهد ليحشر فيه الضحية، ومادة نفطية سريعة الالتهاب غطيت بها الرمال لتشتعل الأرض بالنار أولاً ثم ليحترق الضحية أخيراً. وبوسع كل امرئ أن يفسّر هذه الرموز على النحو الذي يشاء. ولكننا نميل إلى الافتراض بأنهم أرادوا القول لنا نحن العرب: هكذا سنحرقكم بنار نفطكم على رمال أرضكم ووسط كعبتكم. فنحن إذن أمام رسالة صهيونية صريحة ولسنا أمام رسالة داعشية، رغم إمكانية أن ينزلق الدواعش بدورهم في مثل هذه السلوكيات الإجرامية.‏

7 - أن يكون الضحية في الفيلم طياراً أردنياً في هذه الواقعة أمرٌ ينطوي على رمزية محددة، وهي أن الأردن بات مستهدفاً رغم خدمات حكومته للأميركيين والصهاينة.‏

يبدو لنا أن دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي تتخذ قرارها بوقف مشاركة طياريها في عمليات التحالف الذي تقوده أميركا، كانت أول من فهم دلالة الفيلم القصير وما يشي به من دلالات. فدولة الإمارات بحكم تدريب الكثيرين من منتسبي الشركات الأمنية مثل بلاك ووتر تستطيع أن تستخلص بشكل فوري أن المشهد الذي يصوّره الفيلم ليس في قاعدة لتنظيم داعش الإرهابي وإنما في قاعدة للمرتزقة الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب داعش وغيرها من التشكيلات التكفيرية الإرهابية وهم بطبيعة الحال خليط من المقاتلين المرتزقة المحترفين منهم المسلم ومنهم غير المسلم.‏

هذه الملاحظة الأخيرة قد تفسّر اللغز الكامن وراء إصرار الطائرات الأميركية على إلقاء كميات من الأسلحة والذخيرة في بعض المواقع داخل سورية والعراق، لتصل كما قيل إلى أيدي داعش. فهذه الأسلحة والذخيرة ربما كانت مخصصة للمرتزقة المقاتلين إلى جانب داعش في بعض المناطق، والذين يعتبرون بالنسبة للأميركيين والصهاينة قوة تعمل لحسابهم بشكل مباشر، أي إنها جاهزة باستمرار لتنفيذ التعليمات التي تصدر إليها من الأميركيين أو الصهاينة. وبالطبع فإن مثل هؤلاء المرتزقة يمكن أن يكونوا أيضاً إلى جانب إرهابيي جبهة النصرة وغيرها من العصابات الإرهابية في المنطقة الجنوبية. وهؤلاء يحظون بالمساعدة الأردنية والإسرائيلية كما هو معلوم. وإذا ادّعت الولايات المتحدة أنها معنية بتسليح ما تدّعي أنها معارضة سورية معتدلة لمواجهة داعش، أو التمهيد لدور إقليمي برّي بدعوى محاربة داعش، فعلينا أن نضع في حسباننا احتمال أن تكون الغاية هي تقديم الإمداد والعون بشكليهما البشري والتسليحي لهؤلاء المرتزقة بذريعة محاربة داعش.‏

إن ما يرجح الاستنتاج القائل بأن المرتزقة التابعين لأميركا وإسرائيل هم من أحرقوا الطيار الأردني، أن هذه الواقعة حدثت في تكتم شديد، بحيث لم تصل أية معلومات حولها إلى المخابرات الأردنية، رغم أنه من المؤكد أن للمخابرات الأردنية عملاء منبثين في صفوف داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية. كما أنه يفترض بأن معلومة خطيرة من هذا النوع لا يمكن أن تحدث دون أن تعلم بها المخابرات التركية أو السعودية أو القطرية ناهيك عن المخابرات الأميركية والبريطانية. فكيف يمكننا أن نفسّر بقاء الأمر سرّاً لمدة من الزمن دامت شهراً؟. أليس الجواب المنطقي هو أن تشكيلاً خاصاً من المرتزقة شبه منغلق على نفسه، وقد يكون ارتباطه حصراً مع أميركا أو إسرائيل أو كلتيهما على سبيل الحصر هو الذي يقف وراء الفعل؟. ثم إن إرجاء التنظيم لواقعة بث الفيلم والخبر لمدة شهر أمرٌ له دلالته، فما الذي كان الفاعل يتوخّاه من وراء ذلك؟. بالتأكيد أن فكرة تبادل الطيار الضحية بمعتقلين في الأردن يهتم بهم الدواعش لم تكن السبب، وإلا لما أحرق الطيّار أصلاً.‏

إن التفسير الوحيد للواقعة هو أن هناك كيداً كبيراً يضمره الأميركيون والصهاينة للأردن رغم تبعيته للأميركيين وتعاونه مع الصهاينة. وهذا الكيد لا يرتبط حتماً بالدور الذي أداه الأردن بالفعل ضدّ سوريا على مدى السنوات الأربع الأخيرة، وإنما يرتبط بدور مطلوب من الأردن أو من الجغرافية الأردنية تأديته ضدّ مصر. وهذا الدور يحتاج في الواقع إلى أحد أمرين أو كليهما :‏

الأول - أن تتمركز داعش ومن معها من المرتزقة في جنوب الأردن على مقربة من سيناء لتوسع نطاق عملياتها ضدّ مصر.‏

والثاني - تمكين الإخوان المسلمين من الإمساك بالحكم في الأردن بوجود أو بغياب الملك بما يمكنهم من مواصلة دورهم التخريبي في كل من مصر وسورية. ولعل هذا كان محور لقاءات قيادات الإخوان مع مسؤولين بريطانيين وأميركيين خلال الأسابيع القليلة الماضية.‏

وكما هو معروف فإن المسافة الشكلية الفاصلة بين الإخوان المسلمين والجماعات السلفية الوهابية التكفيرية قد اختفت تماماً تقريباً، وصار الطرفان يعملان معاً. ومن الواضح الآن أن هذين الطرفين يتطلبان من الأردن أكثر مما ينفذه الأردن لصالحهما.‏

في دولة مثل الأردن، وحيث تتمثل مركزية السلطة في شخص الملك، فإن السؤال المطروح: هل سيبقى الملك سيداً على دولة تتخذ منها العصابات الإرهابية قاعدة لنشاطاتها في اتجاهي الشمال والجنوب؟ أم إن مصير «الملك الطيار» الذي قيل إنه شارك بالإغارة على داعش سيكون بالضبط هو مصير الطيار معاذ الكساسبة الذي أحرق بهدف إحراق الجسور بين داعش والسلطة الأردنية رغم كل ما قدمته هذه السلطة لداعش وغير داعش من خدمات؟. وهل قرار الإحراق في جوهره الحقيقي قرار داعشي أم هو قرار أميركي صهيوني نفذه المرتزقة الأجانب بعد أن باتت لعبة إشاعة الفوضى في المنطقة تتطلب إغراق الأردن أيضاً بالفوضى؟.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية