وهو:كيف نبلور مشروعاً عربياً قومياً لنشر أدب المقاومة في مواجهة أدب الفتنة والاستسلام?!
الثورة التقت في القاهرة عدداً من الباحثين والأدباء والاعلاميين وفيما يلي رؤيتهم للتغلب على هذه الثقافة الاستسلامية وتعضيد ثقافة المقاومة بين الجماهير العربية.
الكاتب الصحفي سلامة أحمد سلامة: الهوية العربية انحسرت كثيراً خلال الآونة الأخيرة,بسبب السياسات المفروضة عليها من القوى المعادية,حتى إن البعض قد خلط بين مفهوم المقاومة والإرهاب,وهذا الخلط بفعل النشاط المكثف لهذه القوى المعادية ,التي تحاول تشويه المقاومة,ووصمها بالإرهاب,هذا إلى جانب التشويش على المواطن العربي وإبعاده عن كل مايكتب عن المقاومة ,سواء كان قصة أو رواية أو حتى قصيدة شعرية,إلا أن الأدباء والشعراء يستطيعون المقاومة عن طريق نشر أعمالهم من خلال قنوات ووسائل كثيرة جداً,سواء كانت صحفاً أم قنوات فضائية ,لأن كلمة المقاومة مهمة جداً,فهي تستطيع التأثير بقوة في العالم العربي,وخاصة حين تثير الحماسة لدى مواطنيها ,ولعل أعمال محمود درويش خير مثال.
د.مصطفى عبد الغني رئيس المنتدى الأدبي بالأهرام:حقيقة إن أدب المقاومة ليس كافياً الآن لأنه لاتوجد كتب عن أدب المقاومة,بخلاف الخمسينيات والستينيات والسبعينيات,فقد كانت هذه الكتب موجودة,لكن في الوقت الراهن حدث تغير ملحوظ ,فمثلاً تستطيع أن ترى أعمال المقاومة في المسارح القومية ولكن بشكل غير مباشر,لأننا نعيش عصر العولمة الأميركية.
فأدب المقاومة بأجناسه المختلفة أًصبح أقل صوتاً من الفضائيات والمدارس والجامعات التي تدرس العلوم باللغة الانكليزية,لأن هناك خطة محكمة من الخارج تحت عناوين سياسة نقص الغذاء وإشعال الحرب الإعلامية بين المؤسسات عن طريق الفتاوى المضللة,وللأسف فإن هذه الخطط تؤتي ثمارها في ظل سيطرة الاعلام على عقول الجمهور العربي.
وهناك دلائل كثيرة على وجود أدب المقاومة,ولكن كما ذكرت,فإنه يخفت نجمه أمام أصوات الوسائل الإعلامية الحديثة ,فمثلاً آخر أعمال صنع الله إبراهيم كانت العمامة والقبعة,وهي من أدب المقاومة,وأيضاً أعمال بهاء طاهر الأخيرة كلها مقاومة ,ولكنها غير معروفة ,وذلك لأن الكثيرين منا يتبنى الفكر الغربي الهادف إلى إلهاء الشعوب العربية عن مثل هذا النوع من الأدب, والحل الوحيد هو أن تعمل الأجيال الجديدة بجد,وأن تكون واعية جداً وتوعي من حولها من الشباب بأهمية ماتتعرض له الأمة العربية من مخاطر,ومساعدة الشعراء والأدباء الشباب على كتابة أدب المقاومة ونشره,حتى نستطيع جميعاً أن نقاوم هذا الغزو الفكري والعسكري لمجتمعاتنا العربية.
الكاتب الصحفي حمادة إمام:للأسف الشديد نرى بعض المثقفين يكرسون لثقافة الهزيمة والانكسار والتبعية,بخلاف المواطن البسيط الذي يهرول للتبرع بدمائه لمصابي غزة وبجنيهاته القليلة لأبناء الشهداء ,لذلك فهناك كثير من المثقفين تسببوا في نشر هزيمة الانكسارلتحقيق مصالح ومطامح شخصية ,على عكس المثقفين الذين يؤمنون بالقضية العربية ويسعون دائماً لفضح المسار الأمريكي ومؤامراته الدنيئة للقضاء على الفكر العربي,لذلك لابد أن ينتشر أدب المقاومة بكل أجناسه,سواء أكان شعراً أم قصة أم رواية,حتى نستطيع الحفاظ على روح المقاومة,التي تخلق الحماسة للحفاظ على هويتنا,وللأسف الشديد فإن عملية النشر تتطلب وجود مؤسسات حكومية لرعاية هذا المشروع,لأن هذا النوع من النشر يتطلب أموالاً ضخمة لإنتاج مثل هذه الأعمال غير الهادفة للربح,لأنه لن يستطيع أي ناشر عادي أن يقوم بنشر هذه الأعمال,لأن المؤسسات الخاصة هدفها في النهاية هو الربح الذي تحققه الكتابات التافهة.
جمال عبد الرحيم عضو مجلس نقابة الصحفيين: الوقت الحالي يعج بالعديد من الوسائل الإعلامية التي أتاحت الفرصة للجميع للتعبير عن آرائهم ,ولكنني أعتقد أن أدب المقاومة يرجع إلى افتقاده للعنصر الأدبي المهم وهو الكاتب أو الشاعر أو الروائي,الذين يتجهون إلى من يغدق عليهم بالعطايا,وبينهم أيضاً من يخاف أن يكتب للمقاومة حتي لايمنع من دخول الدول الغربية ,فإذا كانت هناك عوائق أمام أدب المقاومة فيما يخص النشر من خلال دور النشر فهناك كما ذكرنا العديد من الوسائل الإعلامية التي ستقبل أعمالهم بصدر رحب,ولكن المشكلة تكمن أيضاً في التيارات الفكرية التي تحاول طمس أصوات المقاومة في كل البقاع العربية.
فالأدب يتعلق دائماً بالنواحي الإبداعية التي تخرج من ضمير الشاعر والتي لابد وأن تكون كلماته خارجة عن اقتناع,ولابد وأن يكون له دور في المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان والسودان,حيث أصبحت هذه البلدان مواقع ثرية لأدباء المقاومة للكتابة والإبداع,إلى جانب أن هناك حالة اشتياق للشعوب العربية لسماع وقراءة مثل هذا النوع من الأدب.
الكاتب والأديب أسامة أنور عكاشة: ثقافة المقاومة العربية أصيبت بنكسة على مستوى الوطن العربي,لذلك تعد هذه الفترة من أردأ الفترات التي تمر بها الأمة ,خاصة حين نذكر انتفاضة الأقصى وأطفال الحجارة,وهذا يؤكد على تراجع ثقافة المقاومة وبالتالي تراجع أدبها,حتى إن شعراءها إدريس وتوفيق زياد وسميح القاسم خفتت أعمالهم بسبب سيطرة المناخ الانهزامي,وهذا مايؤدي إلى انحسار الأعمال الإبداعية,وبالتالي فإن الأدباء ليسوا الوحيدين المسؤولين عن تراجع أعمال المقاومة الأدبية,فحينما نجد صراعاً بين أبناء الوطن الواحد,الذين يقاومون المحتل..فماذا سنكتب?!!
لذلك فإنني أرى أنه يتحتم على كل قيادات حركة المقاومة في العالم العربي أن ترفع معنويات أصحاب الأقلام,لأن الشاعر والأديب لايمكن مطالبته بالكتابة,ولكنه يبدع من خلال الأحداث التي تدور من حوله,إلا أنني أؤكد أن المرحلة القادمة سوف تشهد خلق أدب عظيم,لأن المحنة دائماً تخلق الأدب العظيم,وأوجه ندائي للشعراء أن يدلوا بشهاداتهم من خلال أعمالهم ,لأن كاتم الشهادة آثم قلبه.
الكاتب والأديب خيري شلبي:إن أدب المقاومة يواجه العديد من الصعوبات ,التي تحول دون انتشاره بين الأوساط المختلفة,سواء المثقفين أو العامة,وذلك بسبب عوامل ومعوقات كثيرة,منها ماهو أمني,ومنها ماهو مادي يتعلق بتكلفة النشر والتوزيع ,فضلاً عن أن العالم العربي قد تغيرت هويته كثيراً,فلم تعد القراءة وسيلة هامة من وسائل التثقيف,بعد ظهور الفضائيات والإنترنت وطغيان هذه الوسائل التقنية على القراءة,والحل الوحيد أن تكون هناك حالة من التوحد بين صفوف الحكومات العربية,تحاول من خلاله مقاومة الغزو الثقافي وإثارة روح المقاومة,سواء كانت مقاومة مادية للاحتلال أو مقاومة فكرية لرفض الأفكار الغربية,التي فرضتها الوسائل الإعلامية على عقولنا,حتى باتت عقولنا محتلة,فلم يعد الاستعمار احتلالاً للأراضي والثروات فقط,وإنما هناك استعمار للعقول.
الكاتب الروائي يوسف القعيد: في البداية أؤكد على إيماني الكامل بعداوة الصهيونية وحليفها الأمريكي لكل ماهو عربي,وبالتالي هناك مخططات واضحة ناتجة عن هذا العداء,لبث الفتنة ونشر روح الانكسار والهزيمة,سواء كان ذلك عن طريق الوسائل الدعائية الإعلامية أو عن طريق أقلام مأجورة لاتسعى إلا وراء مصلحتها الشخصية بعيداً عن أي قضية ,وللأسف الشديد انحسر أدب المقاومة في مواجهة أدب الفتنة والاستسلام,كما أن هناك نوعاً من اللغط تثيره القوى المعادية حول مفهوم المقاومة ,لدرجة جعلتنا نختلف حول تعريف الأحداث في دولة مثل العراق الشقيق..فهل مايحدث هو مقاومة أم إرهاب?!!
الشاعر عبد الرحمن يوسف: إن أدب المقاومة يتحايل على النشر بكل الوسائل المتاحة,لكن للأسف الشديد هناك تجاهل واضح لهذا النوع من الأدب من بعض دور النشر العربية,لذلك دائماً مانلجأ إلى الانترنت والإذاعات والفضائيات لنراهن بأعمالنا على عواطف الناس ومشاعرهم.
إلى جانب ذلك فهناك معوقات أمنية تعوق عملية النشر,هذا إلى جانب المعوقات المادية التي تتعلق بعدم قدرة الأدباء على نشر أعمالهم لضيق ذات اليد,لأنهم لايملكون تقنيات النشر ووسائله وتكاليفه,فضلاً عن أن الشاعر والأديب لابد وأن يحيا حياة الرهبنة في سبيل استكمال مشروعه الثقافي.
لقد درجنا إلى تقسيم وسائل الإعلام إلى وسائل منتشرة ووسائل أكثر انتشاراً ,لذلك بعدما واجهنا الكثير من الصعوبات لنشر أعمال المقاومة لجأنا إلى الوسيلة الأكثر انتشاراً وهي شبكة المعلومات الدولية,حيث إنها وسيلة سهلة وغير مكلفة عن طريقها نشر أعمالك دون مشكلات.
الشاعر عماد علي حسن:أنا أعتبر أن الأدب عموماً نوع من المقاومة,لسببين:الأول,هو أنه يسجل تاريخ الشعوب ,والثاني,أنه يحتوي على قيم تدعو للتمرد,ولكن أدب المقاومة شيء مختلف,حيث توجد له نماذج تعبر عنه,وبغض النظر عن تراجع أدب المقاومة عن المستوى الذي كان عليه منذ الخمسينيات وحتى السبعينيات,إلا أنه عاد قوياً بعد احتلال العراق وأحداث لبنان وفلسطين,حيث بدأ ينشط مرة ثانية وأخذ اتجاهين:أحدهما لكبار الكتاب والشعراء مثل محمود درويش وسميح القاسم والآخر لأدباء وروائيين شباب استطاعوا الوصول إلى مشاعر الناس وعواطفهم من خلال أعمالهم,ولم يقتصر أدب المقاومة خلال المرحلة الأخيرة على الانتاج الورقي,ولكن ظهرت وسيلة هامة حديثة مثل الانترنت والكمبيوتر,ولكن هناك مشكلة أثرت في الترويج لأدب المقاومة,هي أن بعض الحكومات العربية لم تعد تتبنى خيار المقاومة,ولذلك لم تعد أجهزة الإعلام الرسمية تروج لها,هذا فضلاً عن وجود موجة عارمة في الاتجاه المضاد تجسدت في قنوات فضائية كثيرة,لذلك مهما أنتجت المقاومة من إعلام مقاوم فسوف يذوب وسط هذا السيل العارم من الإعلام المضاد,إلا أن الأمر حين يصل إلى مواجهة مباشرة مثلما حدث بين إسرائىل وحزب الله,فإن الجميع يتابعون قنوات المقاومة بشكل دائم ,حتى يتعرفوا على مجريات الأحداث.
الشاعرة العمانية سعيدة الفرسي:في الحقيقة أدب المقاومة متهم من أصحاب النقد الحديث أو من نسميهم دعاة السلام أو الحداثيين,وهؤلاء اعتبرهم دعاة استسلام وليسوا دعاة سلام,لذلك فإن أدب المقاومة في نظرهم أدب ضعيف فنياً,والواقع يقول إن هناك أدباَ التزامياً,يهدف إلى تغيير المجتمعات العربية,مثلما يحاول بعض النقاد الكبار أن يفعلوا,خاصة حيث يروجون لمقولة ضعف أدب المقاومة,ولكنني أؤكد أن هناك كثيراً من الشعراء والأدباء والروائيين يكتبون للمقاومة,وهناك أيضاً من يقبض على عصاه من المنتصف ,حين يدعي أنه يروج للسلام.
إذن أدب المقاومة موجود,ولكن ليس هناك اهتمام بهذه النوعية من الأدب,نتيجة محاولات الترويج السياسي لوهم السلام,لإبعاد هذه الأمة عن كل مايثير ويؤجج مشاعر القومية والوطنية لدى الشعوب العربية,ولعل الدعوة التي تلقيتها من مجموعة من الشعراء الفلسطينيين الجدد لحضور المهرجان الشعري هناك لأشارك فيه كناقدة,أكد لي أن هناك مجموعة من الشعراء الذين يتمتعون بالحس الفني المرهف,خاصة حيث قرأت قصائد لهؤلاء الشعراء وكانت في منتهى الروعة,إلا أن مشكلة النشر تعوق عملية الترويج لأدب المقاومة ,لأن معظم الناشرين يهدفون إلى الربح والترويج التجاري عن طريق طباعة وطرح كل ماهو عبثي,يلهي الناس عن القضية الأساسية,فإذا كان لابد من نشر أدب المقاومة,فلابد أيضاً من دعم هؤلاء الناشرين لتشجيعهم على نشر هذه النوعية التي تحقق نوعاً من الرواج التجاري في بعض الأحيان مثل كتب أحمد مطر وأحمد فؤاد نجم وغيرهم.
فالقضية ليست في قلة أو كثرة أعمال المقاومة,ولكن في ثقافة الكسب السهل والسريع,التي تتبناها دور النشر في العالم العربي.