تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سقوط عصر الإنسان ?!

آراء
الاثنين 11/8/2008
حسين عبد الكريم

أيام الجامعة كانت الفوضى صديقة سكننا الجامعي , وأحيانا كانت تحاول الدخول إلى قاعات المحاضرات .. مرةً ومراتٍ تسبقنا إلى تناول وجبات غدائنا أو فطورنا .. وحينها نرفع أصواتنا : الفوضى صعبة المعاشرة .

عاملة التنظيفات تظننا نذكر امرأة اسمها فوضى , وسألتنا غير مرّة:ٍ ما اسم أبيها ,من أي مدينة وماكنيتها ووظيفتها ..هل هي عاملة تنظيفات أم آذنة أم مديرة الوحدة السكنية التي نقطنها ??!!‏

كانت تلك العاملة البسيطة تحذرنا من أية امرأة لا نعرفها جيدا , خشية أن تمد يدها إلى جيوبنا وتسرق حاجاتنا ذات القيمة .. وتروي لنا عن أبيها الذي سرقته امرأة من ماركة فوضى وكنيتها تعاسة ,وأمّها القباحة وأبوها الإهمال وعمّاتها الكذبات السوداء وخالاتها بنات غدر وحرام ..‏

نسينا ,لسوء الحظّ درس العاملة الطيبة وسمحنا ل فوضى قليلة التربية والأدب أن تسرق أغلى ماعندنا : القناعات,والأماني وأعصابنا الحنونة وحواسنا الإنسانية التي تعمل بقوة الرضى والخير وثقافة السؤال والاستقصاء ,وأعطتنا بدلاًعنها أعصاب فوضى وحواس تغدر وقناعات سريعة العطب وأمنيات تعصف بها رياح الخراب .. فوضى نهبت من الإنسان جملة إنسانيته وتركته حرف جرّ شبيه بالتافه والزائد .‏

في تلك المرات أصيب أحد زملائنا بفوضى جسدية مرضية أردته طريح بلاط الغرفة فأسعفناه إلى أقرب مستشفى ,وفي الحال اكتشف الطبيب أنه يعاني من الزائدة ,ولابد من استئصالها ..‏

حذفت الزائدة وبقي الزميل الأكول يعد نفسه بالمأكولات والطبخ والنفخ ,ولا شيء سوى ذلك ..‏

فيما بعد أكل كثيراً ,وأصيب بزائدات عديدة لم يستطع حذفها من قاموس وجوده وجسده ..تعفنت قناعاته ولم يداوها .. ومرضت أمانيه بداء الطمع ولم يسع بها إلى أي مصحٍّ أو مستوصف أو مستشفى ..‏

وزملاء آخرون وزميلات وأصدقاء وصديقات أصيبوا بداء عفونة القناعات ,ولم يطلبوا مضادات عفونة‏

وأصيبت أحلامهم بآفة السقوط .ولم يعلنوا عن حاجتهم للارتفاع .. وصاروا يبررون لأنفسهم : الجميع يسقط فلماذا نرتفع ? الأكثرية مصابة بداء عفونة القناعات ورداءة الأماني فلماذا نختلف ?! هل نقول:هوذا إنسان السقوط والتلف والأماني التافهة وخراب الأحلام الإنسانية التي ميزّته قديما وحديثاً ورفعته عن مستوى الانحطاط قدرحلم ومسافة أمنية وقامة قناعة ?!?!‏

فوضى تلتهم حقول مشاعرنا ولا نطالب بمعاقبتها ومن يعاقبها ?!‏

نيران الطمع والأنانية تكاد تحرق كلَّ غابات الإنسان وثقافة حبِّه .. كيف نوِّفق إلى إطفاء قادر على خنق ألسنة اللهب قبل امتدادها إلى آخر الأغصان والثمار وأغاني النائمة في الأعالي بانتظار أعراسها وسطوع أجراس المحبين ?!‏

إنسان عصريٌّ كلّه زوائد دودية ومن غير حلم أو أمنية أو سوسنة روح لا يطحنها يباس الجشع ..‏

الإنسان صادق على سقوطه ,كما يصادق الجّراح الفاشل على ضياع شفاء مرضاه .. إنسان من فوضى وأعصاب خراب ,والأحلام والأماني ومواثيق الحبِّ حاجاتٌ على الرصيف لا قيمة لها كأحذية تالفة وخزائن مساميرها صدئت ,وأبوابها بين يدي الرّيح وكسرات الإهمال .‏

الكثيرون يفاخرون بوحشية تطلعاتهم وعلاقاتهم مع ميراثهم النفسي ,ولا يحزنهم غياب الهاجس الإنساني عن جميع دروس أعمارهم وحياتهم‏

يسير الإنسان ومعه أحلامه ورؤاه باتجاه الانحطاط بسرعة جنونية تفوق سرعة (المشفطين ) من مختلف الأصناف ..‏

قديماً كانت المعاصي والعيوب تحتاج إلى التستّر .. هل أصيبت البصيرة بالعمى والتشوّه حتى احترمت العيوب وأقرّت بأنها تقوم مقام المحاسن .‏

هل ستسمح بصائر البشر الأحياء بأن تشكل النقائص جملة تبّصرها ? وهل في أي زمن تنوب التفاهات عن التلاقي الإنساني المسّور بقناعات الحبّ والخير والحنين الصالح للبقاء والشفاعات والتبادل ?!‏

بعض إنسانية تكفي لبقاء لائق لأن فعاليتها عالية وطاقتها زائدة ليس على طريقة الزائدة الدودية وأعصاب العفونة .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية