تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


آه... أيها الوطن الحبيب

آراء
الاثنين 11/8/2008
نواف أبو الهيجاء

ليس من مخلوق يتحرك وله القدرة على التفكير أو إعمال الغريزة إلا ويحب الاستقرار (في منزل) - هو الوطن المصغر- الذي يبكيه الحنين إليه, والذي ترخص الروح قبالته, ودونه فرط القتاد,

لذلك تعاطف الجمهور, في أرجاء الدنيا, كثيراً مع (أي تي) في الشريط المعروف, عن المخلوق القادم من كوكب -أو من مجرة أخرى- خطأ إلى عالمنا, كان دائماً يتطلع إلى السماء ويهتف (الوطن.. الوطن) يثير الشجن كثيراً إن نحن أدركنا ما يتعرض له الإنسان عادة من الألم الشديد نتيجة فقدان الوطن- أو الاستقرار في الوطن, الملكية حق وغريزة.‏

والملكية في الطبيعي المعتاد, لا ينبغي أن تكون (سلباً من آخرين أو من آخر, ولا ينبغي أن تكون عبئاً أو تشكل خطراً على (الآخر) - إنه المكان الآمن لأهله- فبعد التعب والجهد-يهرع الإنسان إلى بيته, يسترخي ويهتف (آه يا بيتنا الجميل.. ايها الحلو... الطيب لكم اسعد بالراحة في جنباتك, أنت أمني وأماني, ومرتع امتدادي- أولادي واحفادي كما جئتني هدية من أجدادي).‏

ذات زمن من أيامنا راقبت عدداً من (طيور الحب), كانت تقطن - مسجونة- في قفص لا يتعدى حجمه مترين مكعبين.. طيور الحب تقدم دروساً رائعة (للإنسان) ذاته, أول الدروس أنها تعيش حباً وتموت حباً, وأن تفريق الزوجين - بعد أن يكونا قد انجبا- يعني موتهما الدرس الآخر أن هذه الطيور مستعدة لتقديم كل العون للكبير العاجز حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة, حين يصاب منقاره بالعجز تزقه الطيور الأخرى, وتسقيه وتداريه إلى النهاية أما الدرس الثالث فهو (البيت).‏

حتى لو وضع (للزوجين) العش كاملاً مكملاً (يعني مفروشاً), فهما لن يكتفيا على الإطلاق -سيجهدان لتحسينه بالإضافات- بواسطة المنقارين- وسيبقى نظيفاً حتى بعد التفريخ- وتبقى له (حدوده) المعلومة من لدنهما, فمثلاً إذا اقترب طير آخر غريب من الحدود وجه إليه تنبيه, إما أن تجرأ وتجاوز الحدود فله (أن ينقر) من الزوج الذكر أم من الأنثى على السواء وربما هوجم منهما معاً إلى أن يغادر مثخناً بالجراح - أو يؤثر الهرب قبل أن يدمى منهما الحدود (غير المنظورة) من البشر, ربما تكون منظورة من طيور الحب الأخرى بحيث لا تعتدي أو هي تعتدي طمعاً تماماً كما يفعل قساة البشر من الجشعين الذين يريدون أن يسمى ما يمتلكونه على حساب حق أو حقوق الآخرين, وإن تمت عملية حرمان الإنسان الآخر من نعمة ( الوطن , البيت , الاستقرار , الراحة ومنعه من هتاف) (آه أيها الوطن الحبيب).‏

من حرم من نعمة هتاف الراحة, الهناءة من أبناء شعبنا - بالملايين- من العراق اليوم إلى فلسطين منذ أكثر من ستين عاماً, حتى أولئك الذين قدر لهم أن (يبدلوا) جنسيتهم ووطنهم وإقامتهم وحصلوا على (الكثير) مما حلموا به أو يحلم به آخرون - في البلدان الجديدة- أوروبا وكندا واستراليا- فإنهم ما يلبثون أن يفتقدوا نعمة الإحساس بطمأنينة العيش في الوطن - الدار - البيت - الذي تسكنه في العادة أرواح الأجداد - ويختزن عرقهم وطيبهم وجهاديتهم وأنفاسهم وحتى آهاتهم وتوجعاتهم وآمالهم وصدى أفراحهم وأعراسهم وصهيل جيادهم ونهيق حميرهم وصياح ديكهم ونباح كلابهم, أجل, إن الحرمان من نعمة السكون والاستكانة في الوطن - البيت- قد يجلب الكثير من المتاعب للبشرية جمعاء, والفقدان عادة ما يكون نتيجة الغصب الذي يمارسه القوي ضد الضعيف, آفات غطرسة القوة والغايات غير النبيلة التي تستبد ببعض بني الإنسان فينسون أصلهم ومآلهم ويتصرفون على أساس أنهم (مخلدون) في هذا الكوكب, ولذا فهم يريدون ويعشقون الهيمنة والبطش والتدمير والاستحواذ- وبالتحديد - على حقوق وأملاك وثروات الآخرين - إنهم نوع آخر من اللصوص, وهم أشد خطراً على البشرية من لصوص البنوك والمطاعم والمحال التجارية والنشالين, إنهم لصوص هناءة الدنيا وسلام العالم وأمن البشرية وسعادة الإنسان التي تلخصها تنفيسة عميقة جداً, أكثر من تنهيدة وأعمق من الشهيق وهو يستلقي على الفراش أو على اديم الوطن - الأرض ويهتف (آه, أيها الوطن العذب, أيها البيت الجميل).‏

ملايين من أبناء فلسطين ومن أبناء العراق ومن العرب والمسلمين وفقراء الأرض والمضطهدين من القارات البائسة (إفريقيا و أمريكا اللاتينية وآسيا) محرومون من نعمة (امتلاك) قطعة أرض - ومنزل, حتى لو كان من غرفة نوم, وحاكورة صغيرة- وثمة من لا يستطيع أن يفهم لماذا هم (يقاومون) ولماذا يفضلون الموت على حياة التشرد والمهانة, ولماذا يرفضون (الأوطان البديلة), ولماذا يتعلقون بنسيمات تذكرهم بالبلاد والأوطان, وخاصة إن كانت تهب عليها- أي على أوطانهم - وما يجاورها- فيكويهم الحنين إلى (الالتصاق) بما وبمن يذكرهم بالوطن, بالأرض, بالبيت - فيتركون البدائل والملايين والإغراءات كلها لكي يدنو دانيهم من أرضه ووطنه ودارته القريبة النائية ويتنسم العبير القادم منها قبل أن تغفو عيناه إلى الأبد على حلم العودة إلى الدار وتقبيل ثراها وآنذاك ينعم بهتاف (آه أيتها الأرض - أيها الوطن , يادارنا, كم تشوقنا إلى أحضانك!).‏

nawafabulhaija@yahoo.com‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية