لأجل هذا السبب وذاك الأمر غدت حكايتها مع مدينتها, حكاية وجود و(كيان)... إنها حكاية المبدع الحقيقي الذي لا ينفصل عن مدينته أبدا .
وردة دمشق .. وردة بيتنا الدمشقي الكبير الأديبة كوليت خوري التي كان معها لقاء خاص في ثالث أيام (ملتقى الرواية العربية)الذي أقيم من 2-6 آب ضمن فعاليات دمشق عاصمة الثقافة.
واللقاء معها مثير وجميل وشديد الجاذبية لأنك لن تجلس وكأنما تستمع إلى محاضرة تلقيها منظرةً عن الأدب وصنعته وإنما تتحرر خوري من هذه الفلسفات والتنظيرات وأروع ما فيها تحررها ذاك من تصنع ضوابط هكذا لقاءات لصالح الانزياح باتجاه العادي, لكن المبدع الساحر الذي يتأتى تميزه من بساطته وسلاسته وليس هذا بالأمر الغريب على خوري لأن أدبها ينبض بهذه الحال يعبر عن كل ما هو محض انساني خلاق جميل عذب يخلو من تعقيدات التنظيرات المدرسية إنه أدب يتشبع بالحياة,الحياة كما تراها خوري وبذات الوقت ترى أن مجمل ما كتبت تكمن وراءه أجواء سياسية معينة ولاسيما عندما تكتب المقال الاجتماعي السياسي.
وسوف تتساءل خوري عما تفعل في هكذا ملتقيات, تتساءل عن سبب تواجدها فهي تكتب الرواية ولكن لا علاقة لها بالنقد الأدبي لأنه عالم آخر وهي لا تجيد القيام بدور غيرها بل تكتب وغيرها ينقد .
وبالنسبة لها النقد قد يكون أحيانا ممتعا مسليا وأحيانا قد تستفيد منه ولكنها في جميع الأحوال تستفهم كيف يكتشف النقاد في الإبداع كل تلك الأمور التي يتحدثون عنها .. تقول: (أحيانا أقرأ لناقد انتقد رواية لي, فأعجب أين وجد كل هذه الأفكار حول روايتي أفكار لم أكن أنا أفكر بها).
المهم في رأيها الإبداع لأنه يأتي قبل كل شيء ثم يأتي النقد إذ لا نقد قبل الإبداع مؤكدة أنه لو حاول أحدهم الإبداع بعد دراسته النقد فإنه لن يستطيع أن يبدع لأن كتابته حينها ستأتي مكبلة تماما, فالأديب الحقيقي يسكب مشاعره على الأوراق دون التفكير في النقد (لو كنت درست النقد لما كتبت في حياتي) فالكتابة عندها هي الأساس هي قرينة حياتها الأجمل إن لم تكن معادلا حقيقيا عن الحياة فهل لمن حاكت وطرزت من الكلمات قصصا وروايات ومسرحيات ومقالات أن تكتب شهادة عن نفسها?
تستنكر خوري الأمر (ويطلبون مني شهادة عن نفسي ويطلبون ويلحون والواقع هو أني طوال حياتي ما استطعت أن أقدم شهادة عن نفسي بل أنا لا أْعرف إلى هذه اللحظة ما معنى أن أقدم شهادة عن نفسي).
وليس بعيدا عن أمر الشهادة, ماذا عن الخوض في غمار تجربة الكتابة..
تقول (ويهونون الأمر علي ويقولون إذاً حدثينا عن تجربتك في الكتابة وأقف دائما مذهولة حائرة وهل حكايتي مع الكتابة تجربة. أكل هذه السنوات المطرزة بالحروف والمنسوجة بالأفكار والفياضة بالأحاسيس والمتناسلة حكايات. أكل هذه السنوات التي هي عمري تجربة).
إنها قصة حياة خوري التي ترفض أن تحشرها بمجرد شهادة.. ولكن لم كانت الكتابة (هنا تتراقص الأجوبة أمامي ولا أعرف أيها أختار ربما لأن القدر شاء لي أن أولد في بيت مفروش بالكتب والمجلات..
وربما لأنني عندما جئت إلى هذه الحياة صرخت مثل كل الناس وعندما فتحت عيني للنور تمنيت أن تستمر صرختي حتى هذه اللحظة, أنا أتمنى دائما أن أصرخ صرخت إنما بأصابعي وكان الورق الأبيض ومازال وسيبقى خير صدر يحتضن صراخي .. وربما أنا أكتب لأني أخاف الموت..أتحداه بحروفي وأحاربه بالكتابة)
السبب الأقوى بين كل هذه الأسباب التي تذكرها خوري هو كون الكتابة (الأنا الآخر , الأنا الحي الذي لا أستطيع الانفصال عنه .. فالكتابة هي وطني عندما يقسو علي الوطن ويجور .. الكتابة توءمتي النابضة ولدت معي فإذا ما انفصلت عنها يوما انتهيت).
كوليت خوري
في سطور:
ولدت في دمشق
تلقت تعليمها في مدرسة الراهبات البيزانسون
درست الحقوق في الجامعة اليسوعية في بيروت
حاصلة على شهادة في اللغة الفرنسية من جامعة دمشق
تعمل حاليا مستشارة أدبية في رئاسة الجمهورية
من أعمالها (عشرون عاما- أيام معه- أيام مع الأيام- دمشق بيتي الكبير- ليلة واحدة -كيان -ومر صيف -رعشة -الكلمة الأنثى.. وغيرها).