في بعثة ترمي الى محاكاة تجربة الرحلة الفينيقية الاصلية واعادة تقديمها الى البشرية من جديد.. والتي تعتبر بحق »الرحلة الجديدة« ملحمة ثقافية تربط سورية الفينيقية- الممتدة بحضارتها الانسانية حتى الآن.. بافريقيا واوروبا ودول العالم الأخرى التي ستتابع الرحلة أولاً بأول وعلى مدى عشرة اشهر.. وايضاً من خلال استقرار السفينة بعد ذلك في المتحف البريطاني بلندن كجزء اساسي من معرض الحضارة الفينيقية المقرر تنظيمه عامي 2009-.2010
تنطلق السفينة من ارواد بعد هذا الاحتفال الذي شهدته »الجزيرة« امس لتدور حول افريقيا واوروبا وتتوقف خلال الرحلة في عدة موانئ وتنطلق بداية باتجاه ميناء بورسعيد في مصر.. ثم تتجه عبر البحر الاحمر الى ميناء عدن في اليمن.. وبعده الى ميناء مومباسا في كينيا ثم الى ميناء دار السلام في تنزانيا.. وتتابع الى ميناء البيرا في موزامبيق.. وبعده الى خليج ريتشارد وجنوب افريقيا ثم الى كيب تاون.. ثم الى ميناء تيما في غانا وبعده الى جبل طارق.. فإلى ميناء قرطاج في تونس ثم الى ميناء الاسكندرية في مصر وتعود بعد ذلك الى جزيرة ارواد.. وبعد ذلك تنطلق من جديد باتجاه لندن مروراً في مالطا.. فالماوث في بريطانيا.. ثم ميناء بورتسموث وتستقر في لندن.
وخلال هذه الرحلة »المغامرة« تقطع السفينة 17 الف ميل.. ويتوقع ان تكون عملية الابحار عملية معقدة للغاية وتعتمد على اتجاه وسرعة الابحار والمجاديف الخشبية والاشرعة البدائية ذات الاتجاه الابحاري الواحد.
لقد انكب فريق »الفينيقية« على العمل بجهد كبير لتحقيق حلم راودهم ألا وهو بناء سفينة فينيقية مماثلة لتلك السفينة المكتشفة في البحر المتوسط جانب مضيق جبل طارق للابحار بها حول ا فريقيا كما فعل اجدادنا الفينيقيون عام 600 قبل الميلاد.
اما صاحب الفكرة رئيس البعثة والذي سيقود السفينة فهو »فيليب بل« من مدينة »دوريسيت« في جنوب انكلترا والذي امضى اكثر من 15 عاماً في البحرية الملكية البريطانية وسبق أن حصل على أرفع وسام من الرئيس الأندونيسي عام 2004 بعد قيامه مع فريق عمل ببناء سفينة اندونيسية تقليدية وابحر بها من اندونيسيا الى افريقيا بنجاح.. وعن رحلة »فينيقيا« يقول:
لقد اعطانا الفينيقيون اولئك الابطال الذين لم يذكر التاريخ امجادهم ولم يتغن بهم بالشكل الذي يستحقونه.. فهم اخترعوا الابجدية الاولى ونظام التأمين.. كما كانوا اول من اهتدى بالنجوم خلال رحلاتهم.. وهم من اكتشفوا النجم القطبي.. وسأثبت مع طاقم الرحلة انهم اول من اكتشف العالم.
وحول اهمية الرحلة يضيف السيد بل: انها حقاً تعيد الحياة إلى التاريخ وتبعثه من جديد إذ سيتمكن الناس من افريقيا واوروبا والشرق الاوسط وبقية انحاء العالم من متابعة تطور الرحلة كلما اكتشفنا وعرفنا المزيد عن حياة الفينيقيين وعن حسن الاكتشاف المذهل لديهم.
وحول المصاعب المتوقع مواجهتها مع طاقمه خلال الرحلة قال: ان في الامر مجازفة وعواقب قد تكون وخيمة فهناك تحديان امام الطاقم: الاول هو كيفية تدبر حياتنا بعيداً عن بيوتنا واوطاننا في ظل ظروف قاسية وبعيداً عن وسائل الراحة التي اعتدنا عليها في منازلنا.. والثاني: هو القدرة على التكيف مع عامل الخوف من الاقدام على فعل امر ينطوي على المغامرة والمجازفة والخطر بوسائل بدائية جداً.
وما يدفعني على خوض التحدي هو الرغبة الجامحة في اثبات ان الفينيقيين تمكنوا فعلاً من الابحار حول رأس الرجاء الصالح قبل ان يفعل الاوروبيون ذلك.. وبعد الفي عام من تلك الرحلة الاولى ومرد الرغبة هو ان بعض المؤرخين يشككون بأن يكون الفينيقيون قد قاموا اصلاً بمثل تلك الرحلة فهم يعتقدون انه كان من الصعب على السفن الشراعية البدائية كتلك التي اعتاد الفينيقيون الابحار على متنها ان تجتاز منطقة رأس الرجاء الصالح الخطرة جداً.
السيد خالد حمود الذي قام ببناء السفينة مع زملائه في ارواد قال تم انتشال اجزاء من السفينة الفينيقية التي ابحرت في سنة 600 ق.م وذلك من قبل خبراء استراليين ويونانيين »عند مضيق جبل طارق«.. فقاموا بوضع المخطط اللازم لها.. ولأن الارواديين القدماء هم من بنى السفينة الفينيقية القديمة.. كان اختيار ارواد من جديد لبناء السفينة الحالية حيث قمنا ببنائها بالمواد والمواصفات التي كانت تبنى بها ايام الفينيقيين وبدون اي مسمار معدني من الخارج وبدون اضلاع.. واضفنا اليها لاحقاً القليل من الاضلاع والقليل القليل من المسامير لزيادة المتانة وخيطت بخيوط من حبال القنب من الأمام والخلف بمسامير خشبية من خشب الزيتون ولم تستخدم سوى المواد الطبيعية فالخشب الذي استخدمناه هو الصنوبر الحلبي والبلوط والجوز.
هذا ويبلغ طول السفينة 21,5 متراً 70 قدماً وقد بنيت على يد وتحت اشراف السوري خالد حمود في حوض لبناء السفن في ارواد قديم وشاركه في بنائها فريق عمل ضم »محمد حمود, عماد حمود, زاهر حمود, أحمد طه, ماجد سليمان, مهدي عبد الله, عدنان عطية, معين سيخ«.
وستقطع الرحلة 17 الف ميل خلال عشرة اشهر تمضيها في البحر بطاقم مكون من 20 بحاراً من دول مختلفة في جميع مراحل الرحلة.
وتحظى بموافقة الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية وتلقى اهتماماً من قبل جامعات وهيئات ثقافية واثرية وعلمية وفنية عدة في كل من سورية وبريطانيا ودول اخرى في العالم وتعتبر احدى الفعاليات الاساسية في برنامج احتفالية اعلان منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم »اليونيسكو« دمشق كعاصمة للثقافة العربية لعام .2008
وبعد انتهاء الرحلة وعودة السفينة الى ارواد.. ستغادر سورية متجهة الى بريطانية حيث ستعرض في المتحف البريطاني بلندن كجزء اساسي من معرض الحضارة الفينيقية المقرر تنظيمه عامي 2009 -.2010
أخيراً إن هذه السفينة.. والرحلة المقررة لها.. والدعم الذي حظيت به من سورية.. تؤكد من جديد ان سورية مهد الحضارات.. وانها وطن المحبة والسلام.