يؤكد أن بعض العرب مازال يطالب بإحياء المبادرة العربية، والبعض الآخر مازال يراهن على مبادرات الدول الكبرى، التي لم ولن تصب إلا في مصلحة الكيان الصهيوني أولاً، مقابل بعض التنازلات الشكلية للعرب، وتدعو روسيا اليوم إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في موسكو بين العرب وإسرائيل، ومن جهة أخرى أخذت الولايات المتحدة تصغر من حجم الحقوق التي تعرضها على العرب، وتتراجع عن أوسلو وغيرها من اتفاقات فرضت على الفلسطينيين وبعض العرب، لتقول لنا التطبيع ومعاداة إيران أولاً مقابل الوعد بقبول إسرائيل مبدأ حل الدولتين وتجميد الاستيطان، وها هم الأوروبيون يحضرون لمبادرة جديدة لإحلال السلام في المنطقة.
مفهوم أن روسيا تريد العودة إلى الشرق الأوسط بعد أن أكدت استعادة قوتها كدولة عظمى أعقاب العدوان الجورجي على أوسيتيا الجنوبية، ونحن نشكر مواقفها الداعمة لحقوقنا، لكنها لا تستطيع أن تكون «ملكاً أكثر من الملك» ولا يمكنها تجاوز السقف الذي يرتضيه بعض العرب.
ومفهوم أن الولايات المتحدة وبخاصة بعد مجيء أوباما إلى البيت الأبيض، تريد أن تحفظ «ماء الوجه» بعد الهزائم التي لحقت بها وبإسرائيل، وتريد فرض واقع جديد في المنطقة، ومعروف أن أوروبا تريد أن تشكل قطباً دولياً مهماً ينافس الولايات المتحدة، وجميعها تدرك أن طموحاتها الاستراتيجية تمر من خلال منطقتنا، وتعمل على هذا الأساس لكن غير المفهوم هو غياب الموقف العربي الموحد في هذا الحراك وعدم تمكنهم من الخروج من وهم المبادرات وعدم تمكن بعض العرب من استيعاب الواقع الجديد الذي فرضته انتصارات المقاومة الوطنية المسلحة في العراق ولبنان وفلسطين.
يؤكد التاريخ أن ما من حرب قامت، إلا وكان المنتصر فيها هو من يفرض شروط وقف الحرب ومسار مستقبل العلاقة بين المتحاربين، لكن العرب الذين انتصرت مقاومتهم مازالوا في حالة تفكك وتشرذم، ومازالت حالة الاستقطاب التي فرضتها ومازالت تفرضها الدول الكبرى الغربية على بعض الدول العربية، والآلية التي وضعتها لذلك تهيمن على الواقع العربي، ومازال مصيرهم، والقرارات المصيرية التي تتعلق بهم، خارجة عن إرادتهم، حكمتها ومازالت تحكمها موازين القوى الدولية حتى يومنا هذا ولم يستطع العرب الخروج من هذه الحالة، رغم الانتصارات التي حققتها مقاومتهم، والتي كانت سبباً في إحداث تغير في الموازيين الدولية، ونهاية أحادية القطب التي تفرضها الولايات المتحدة في العالم.
الأمر الخطير الآخر الذي يعاني العرب منه اليوم، هو الشعارات التي نسمعها بين الحين والآخر:
إن العراق للعراقيين، ومصر للمصريين، ولبنان للبنانيين.. الخ، التي ما هي إلا شعارات صهيونية لا تخدم إلا إسرائيل، إن إسرائيل نفسها حاولت ومازالت تحاول أن تجمع من كل بقاع الأرض، كل من يقول أنا يهودي في فلسطين، وتحاول أن تفرض على العرب القبول بيهودية إسرائيل، قبل أن تبدأ معهم أي مفاوضات «سلام»، إن طرح هذه الشعارات يعني السماح لإسرائيل بالاستفراد بكل دولة وكل منطقة على حدة لتنفيذ مشاريعها، مثلما استفردت اليوم بغزة، واستفردت أمس بجنوب لبنان.
يجب أن يستوعب العرب أن المجتمع الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة، ومنذ زرع الكيان الصهيوني في المنطقة وحتى الآن، لم يستطيعا إرغام إسرائيل على تنفيذ أي من القرارات الدولية المتعلقة بالنزاع العربي - الإسرائيلي، لكن المقاومة الوطنية والإسلامية المسلحة في لبنان فرضت بالقوة على إسرائيل الانسحاب غير المشروط من الجنوب اللبناني، وتطبيق القرار 425، دون أن يكون هناك أي دور للمجتمع الدولي ولا للشرعية الدولية، كما لم تستطع جامعة الدول العربية ولا الشرعية الدولية ولا كل منظمات «حقوق الإنسان» تحرير أسير واحد للعرب، لكن المقاومة الوطنية اللبنانية المسلحة استطاعت فعل ذلك، وهاهي حماس على موعد مع تحرير عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، أي إنه ما من سبيل لاستعادة حقوقنا إلا بالمقاومة المسلحة لهذا الاحتلال، وبالقوة يمكن استعادة ما أخذ بالقوة.
إن المقاومة والمقاومة المسلحة هما السبيل الوحيد لتحرير الشعوب والأرض، والطريق الوحيد للسلام العادل والشامل، وإن كل دول العالم الكبرى والصغرى، يمكن أن تساعدنا فقط بقدر ما تخدم هذه المساعدة مصالحها الخاصة القومية والاستراتيجية، وحان الوقت للعرب أن يعتمدوا على أنفسهم وعلى قوتهم وإمكاناتهم ومقاومتهم المسلحة، للدفاع عن مصالحهم القومية والاستراتيجية والكف عن استجداء المساعدات والمبادرات التي لم ولن تحقق لهم شيئاً سوى المزيد من الذل والمهانة.