مرة في اليابان ومرة في كوالا لامبور ومرة في بكين، الأمر الذي أدى إلى تناقص زبائن عيادته على نحو كبير، وأصبح يمضي النهار هو وممرضته في كش الذباب ورش المبيدات الحشرية!
ثم انتقل قاسم إلى مرحلة هجومية جديدة فأصبح يقول لأي شخص يلتقيه:
أنصحك حينما تمرض أنت أو أحد أفراد أسرتك - لاسمح الله- ألا تذهب إلى عيادة الدكتور سالم المعلول مهما كانت الأسباب!
فإذا استفهم منه الشخص عن السبب كان يقول له:
هل تريد الصدق أم ابن عمه؟ الدكتور سالم طبيب فهمان وشهاداته تملأ الحيطان وكلها مكتوبة بحروف أجنبية ناعمة وغير مفهومة وكأن مجموعة من النمال غطسن أقدامهن في الحبر ثم دسن عليها....
ولكن ماهذا الدكتور الذي لايداوم في عيادته يومين من كل شهر؟ طول النهار وهو يفتل على كعبه ( من بيت شقاع لبيت رقاع لبيت كتر الله أفضالكم) طيب لنفرض أنك ذهبت إليه وتعاينت عنده وكتب لك وصفة طبية فاشتريت الأدوية وذهبت إلى البيت، وفي اليوم التالي تعرضت -والإنسان معرض لكل شيء- لبردية أو سخونة أو رجفة مع طقطقة الأسنان ببعضها البعض، أو ربما هبط ضغطك أو ارتفع سكرك أو صار معك مغص أو فهقة أو جظة تترافق باصفرار في الوجه وانحلال في الركب أو أشياء أنا أخجل من ذكرها أمامك... فماذا تفعل؟ أول شيء يخطر ببالك هو أن تتصل بالدكتور سالم أو تراجعه في العيادة لكي يعالج الحالة التي طرأت لديك... وفجأة تكتشف أنه مسافر.
هل تلحق به إلى إيطاليا أو إلى اليونان أو إلى الصومال لكي تستشيره؟ أم أنك ستشكو أمرك لله عز وجل وتذهب من توك إلى عيادة طبيب آخر؟ وهذا بدوره سيطلب منك إجراء صور شعاعية وتحاليل مخبرية وإيكو ورنين (مغناطيسي) وطبقي محوري، وستدفع المزيد من النقود على هذه الإجراءات التي سبق لك أن دفعتها عند الدكتور سالم.
وحينما يوقن قاسم أن الشخص الواقف أمامه قد لان وتراجع عن حماسته للدكتور سالم المعلول يباغته بالنتيجة المنطقية التي لاتخر الماء إذ يقول له:
أخي أنت باختصار تحتاج إلى طبيب راكز! وكما يقولون في الأمثال: الحجر في محله قنطار! وحتى ولو لم يكن هذا الدكتور الآخر عبقرياً ولكنه يمشي حالك ويحل مشكلتك... طيب قل لي بالله عليك قبل أن يأتي سالم من أميركا ويفتح عيادته في بلد الزيتون ألم نكن عايشين بأمان واطمئنان واسم الله علينا؟
وبالطبع فإن الدكتور سالم لم يقعد مكتوف الأيدي حيال هذه المهزلة المستمرة، وظل يتتبع خيوطها حتى عرف أن مصدرها هو جاره القصاب، فذهب إليه وهو في حالة نفسية يمكن تلخيصها بكلمتين هما: قاتل أو مقتول.
والغريب في الأمر أن قاسم دق المسمار، حينما سأله الدكتور سالم عن صحة الإشاعات التي أطلقها حول سفره وغيابه، لم ينكر، بل وتوعده بأنه لن يوقف هذه الإشاعات مهما كلفه الأمر.
قال الدكتور سالم ووجهه يتلون بألوان الطيف: ولماذا (ولدنة الحرام) هذه ياجاري؟
قال: أرجوك يادكتور أحفظ كلامك ولاتكبر بالحكي! ولاتنس أنك أنت الذي بدأت الحرب والبادىء أظلم.
قال سالم وقد بلغ به الاستغراب كل مبلغ، حرب؟ أي حرب؟
قال سالم: الحرب التي تشنها على الدهون والشحوم (يقصد : الكولسترول).
قال سالم بنزق: نعم؟ وهل الكولسترول ابن عمك الربعي؟
قال: لاوالله، ولكن قل لي أنت، هل الكولسترول قاتل لك قتيل؟ قاطع رزقك؟ معتدي على عرضك وشرفك؟ يارجل اتق الله، أنا قبل أن تأتي حضرتك إلى البلد كنت أبيع خمس ذبائح كل يوم، الدهنة أبيعها قبل الهبرة؟ لأنها هي التي تأتي بطعم اللحم وتعطيه نكهة وزكاوة.
الآن أنا أبيع شقة واحدة في اليوم، يعني نصف ذبيحة، أبيع منها الهبرة فقط وأهدر اللية.
أخي باختصار وحتى لانضيع الوقت، انزل أنت عن طرف الشحوم والدهون والكولسترول وأنا أنزل عن طرفك، وكل إنسان له نبي يصلي عليه!