وعاصر تسعة خلفاء عباسيين غير أن علاقته بهم كانت تختلف بين خليفة وآخر، من ذلك مثلاً وثوق العلاقة بينه وبين الأمين وذلك الجفاء بين المأمون أخي الأمين وبينه، فقد كان هذا عاتباً على الشاعر إفراطه في مديح أخيه ومبالغته في رثائه يوم وفاته، حتى كاد أن ينال منه -من المأمون- بل.. إنه هجاه.
ولم يكن الحسين بن الضحاك مغنياً ولكن كانت له علاقة وثقى بالغناء والمغنين وإذا كان هؤلاء حتى عهد الرشيد يلحنون ويغنون من قصائد الشعراء القدامى فإن الأمر اختلف أيام شاعرنا الحسين فقد صار المغنون يتغنون بشعر من يصطفيهم الخلفاء والأمراء لأنه يصف أحوالهم ويمس حياتهم التي يتعشقونها في صميمها ومالوا إلى أن يكون قولهم شعراً رقيقاً سهلاً خفيفاً على الأسماع قصير الفقرات وكانوا يقترحون على الشعراء أن يقولوا في الغرض الذي يرمون إليه ليلقى على المطربين بعد أن يلحنه الخبراء وإن لهذه الألحان عند أصحابها لدفاتر تعرض على من شاء ليتخير منها ما يريد أن يلقى على جواريه (1).
شهرة الحسين وغناء شعره
ولم يكن بد من أن يدخل الحسين هذا الميدان وكان ذلك سبباً آخر في شهرته وقد استجاب في البدء لاقتراح صديقه الأمير صالح بن الرشيد الذي طلب إليه أن يعمل شعراً يغنى فيه ففعل ووفق.
وقد أخذ الملحنون والمغنون كثيراً من شعره «حتى ما كان في الرثاء» وكما يقول عبد الستار أحمد فراج: فإن «الكثرة الغالبة في شعره تصلح أن تكون أنغاماً عذبة وألحاناً رقيقة(2).
في مجلس الأمير صالح بن الرشيد
وثمة حادثة بعيدة الدلالة على علو كعب الحسين في الشعر الغنائي رواها أبو الفرج الاصفهاني في الأغاني وأوردها ابن أبي طاهر في «كتاب بغداد» وخلاصتها أنه كان في بغداد فنان ملحن معروف اسمه «عمرو بن بانة» جمعه ذات يوم مجلس الأمير صالح بن الرشيد مع آخرين فالتفت إليه صالح وقال: لست تطرح على جواري وغلماني ما أستجيده.
هنا قال عمرو: ابعث إلى منزلي فجئ بالدفاتر واختر منها ما شئت حتى ألقيه عليهم -فبعث إلى منزله فجيء إليه بدفاتر الغناء- فأخذ منها دفتراً ليتخير مما فيه فمر شعر الحسين بن الضحاك يرثي الأمين ويهجو المأمون وفيه قوله:
أطل حزناً وابك الإمام محمدا
بحزن وإن خفت الحسام المهندا
حين جاء الخليفة المأمون
قال صالح يخاطب الفنان عمرو بن بانة: أنت تعلم أن المأمون يجيء إليّ في كل ساعة فإذا قرأ هذا ما تراه يكون فاعلاً؟ «ثم دعا بسكين فجعل يحكه وصعد المأمون من الدرجة ورمى صالح الدفتر فقال المأمون: يا غلام ! الدفتر.
فأتى به فنظر فيه ووقف على الحك فقال: إن قلت لكم ما كنتم فيه تصدقوني؟
قالوا:نعم.
المأمون يسمع هجاءه غناء
قال: ينبغي أن يكون أخي قال لك: ابعث فجئ بدفاترك ليتخير ما تطرح على جواريه فوقف على هذا الشعر فكره أن أراه فحكه.
قالوا:بلى! هكذا كان.
فقال المأمون مخاطباً عمرو:غنه يا عمرو.
وأعاد المغنّي ثلاث مرات!
فأجاب عمرو متهيباً: يا أمير المؤمنين الشعر لحسين بن الضحاك والغناء لسعيد بن جابر.
قال المأمون: وما يكون؟ غنّه.
وغنى عمرو فإذا المأمون يطلب إليه الإعادة فأعاد الغناء ثلاث مرات وأمر له المأمون بمال كثير وقال (3): حتى تعلم أنه لم يضرك عندي.
الهوامش
(1) نديم الخلفاء -تأليف عبد الستار فراج- سلسلة اقرأ- القاهرة 1952- ص27.
(2) المصدر نفسه -ص28.
(3) المصدر السابق -ص 28-29.