وتشير التقارير الإعلامية الواردة من اسرائيل إلى أنها منشغلة بقضاياها الداخلية, وستشهد ساحتها السياسية حراكاً وسط محاولات اليمين فيها إسقاط حكومة أولمرت وربما الذهاب إلى انتخابات مبكرة, لاسيما وأن استطلاعات الرأي التي أجرتها عدد من المؤسسات الإعلامية ومراكز الأبحاث في اسرائيل تؤكد أن هذه الانتخابات إذا ماجرت قد تأتي بزعيم الليكود بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة, وهو الأمر الذي يتخوف منه زعيم حزب العمل ايهود باراك في حال أدين أولمرت وترتب عليه ترك رئاسة الحكومة, فما القرار الذي سيتخذه حينها حزب العمل غير المستعد لمثل هذه الانتخابات.
ويرى المعارضون لأولمرت أن نتائج التقرير ستقود إلى الطلب منه تقديم استقالته من منصبه, في حين يقول أنصاره إن ماسيخرج به التقرير لايتعدى طلب إصلاح الأخطاء ويتجاوز ماحصل خلال عدوان تموز, وبين هؤلاء وأولئك لا أحد سيعرف لمن سترجح كفة الميزان في النهاية.
وفي مطلق الأحوال ليس هناك من يعتقد أن عصبية أولمرت تنبع من إحساسه بالقوة التي يدعيها, بل العكس هو الصحيح, فبعد انسحاب حزب (اسرائيل بيتنا) والذي يتزعمه الصهيوني المتطرف أفيغدور ليبرمان من الحكومة, بات مستقبله أقل ضمانة من أي وقت مضى, لاسيما وأن حركة (شاس) ليست بعيدة كثيراً في مواقفها عن (اسرائيل بيتنا) ولاتتوانى (شاس) في ابتزاز أولمرت ولا في تهديده.
ورغم كل محاولاته تجنب استفزاز (شاس) عبر سلسلة من القرارات خاصة في المجالين التعليمي والاجتماعي, إلا أن كل ذلك في نظر (شاس) ليس كافياً.
ويري المراقبون أن مشكلة أولمرت لاتقتصر على انسحاب (روسيا بيتنا) و »شاس) بل إن حركة »ميرتس) رأت هي الأخرى في أولمرت الشخص غير المرغوب فيه, ناهيك عن أن اليمين الإسرائيلي عموماً, وحزب الليكود خصوصاً ليس في وارد توفير الدعم لأولمرت, لذلك فأي هزة يتعرض لها الائتلاف الحكومي بمقدورها دفع الحلبة السياسية في اسرائيل من علو كبير نحو الانتخابات المبكرة التي قد يلعب فيها الدور الأبرز حزب العمل وحزب المتقاعدين, ولكن هل من ضمانة لبقاء حزب العمل الشريك الأكبر في الائتلاف الحكومي على حاله, بما يوفر الدعم لأولمرت في حال جرت الانتخابات, لاسيما وأن زعيمه ايهود باراك تعهد لناخبيه ومحازبيه بالانسحاب من الحكومة إذا ما أدان تقرير فينوغراد أولمرت وطالبه بالاستقالة. وهو الأمر الذي دفع بالمحللين إلى التأكيد على أن حزب العمل سيشهد عاصفة قوية عقب نشر التقرير.
يضاف إلى كل ماسبق, أن وضع أولمرت داخل كاديما نفسه ليس أفضل مما هو عليه ضمن تحالفاته السياسية, ومع ذلك لا يستبعد المحللون أن يلجأ أولمرت وباراك إلى سيناريو يتفق فيه الطرفان على موعد إجراء انتخابات مبكرة, ويكون بذلك باراك قد التزم بوعده لمحازبيه وقصّر من عمر الائتلاف الحكومي, ليبدأ بعدها باراك بإعداد حزبه للفوز في هذه الانتخابات وتسلمه رئاسة الحكومة التي أخفق فيها في المرة الماضية, أما أولمرت فإن قبوله بانتخابات مبكرة سببه هو أنه يريد مجدداً التوجه إلى الناخب الإسرائيلي وفي جيبه مسودة اتفاق مع السلطة الفلسطينية على أمل تحقيق فوز جديد يبقيه في منصبه لولاية أخرى.
في غضون ذلك, تباينت الأرقام في استطلاعات الرأي حول مايجب فعله في حال حمّل تقرير فينوغراد أولمرت مسؤولية فشل عدوان تموز 2006 بسبب ضعف إدارة المعركة ضد المقاومة الوطنية اللبنانية وكذلك الخلل في الإعداد لذلك العدوان, وبحسب مانشرته الصحف الإسرائيلية دعا 77 في المئة من الإسرائيليين إلى الاستقالة في حال حمّلته اللجنة مسؤولية الفشل, في حين أيد 21 في المئة بقاءه في منصبه, وفي معرض إجابتهم حول الخيار المفضل لديهم فيما يتعلق بمستقبل الحكومة والكنيست قال 52 في المئة إنهم يفضلون استقالة الحكومة وحل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة, إلا أن 21 في المئة طالبوا باستبدال أولمرت بشخصية أخرى من حزبه » كاديما ), فقط 14 في المئة أيدوا بقاء أولمرت في منصبه بشرط الاتفاق على موعد لتبكير الانتخابات.وعن الشخصية الأفضل التي يفضل الإسرائيليون رؤيتها في منصب رئيس الحكومة اختار 33 في المئة نتنياهو, و 17 في المئة باراك, و 8 في المئة فقط أولمرت, في حين قال 38 في المئة إنهم لا يريدون رؤية الشخصيات الثلاث في رئاسة الحكومة.
في المحصلة يمكن القول: إن أولمرت فقد شعبيته التي طالما تمتع بها عندما كان رئيساً لبلدية القدس, فشتان مابين العمل في المجال الخدمي وبين العمل السياسي, فالهوة كبيرة جداً في المقارنة, وتوضيحاً لذلك يمكننا القول إن العمل في المجال الخدمي هو عمل روتيني بحت لايحتاج إلى تلك الشخصية الواجب توفرها في رجل السياسة, وهو الأمر الذي يفتقر إليه أولمرت الفاقد للرؤية السياسية والمتغيرات اليومية إقليمياً ودولياً, لذا كان عدوان تموز فشله الأكبر لعدم قدرته على قراءة قوة المقاومة التي لقنته درساً لن ينساه, وقد يكون ثمنه غالياً عليه وعلى مستقبله السياسي برمته والأيام القريبة ستؤكد ذلك, دون النظر على مايفعله في غزة وحصارها وتجويع شعبها, والذي سيؤدي حتماً إلى غلاء الثمن أكثر, فحركة المقاومة الفلسطينية ستوجه له صفعة جديدة تضاف إلى سلسلة سجله في تلقي الصفعات. وتأسيساً على ماسبق, يمكن الجزم أنه ودون النظر إلى ماسيخرج به تقرير فينوغراد إلا أنه لن يخرج من هذه الأزمة سالماً, إذ باتت الخيارات أمامه محدودة, وتتراوح مابين سيئ وأسوأ, وحتى إن قالت لجنة التحقيق, عليه تقديم الاستقالة أو حملته المسؤولية وطالبته بتصحيح الأخطاء التي ارتكبها, ففي كلتا الحالتين فإن أولمرت خسر الكثير جراء حماقته وشنه العدوان على لبنان ومايقوم به اليوم ضد الشعب الفلسطيني في غزة, فأمن اسرائيل لايمكن له أن يتحقق بالمكابرة ونكران حق الشعوب في العيش, ومهما زادت غطرسة الاحتلال فقوى الممانعة في لبنان وفلسطين هي الأقوى كونها صاحبة الأرض والحق.