في خطابه أمام المجلس الاستشاري السعودي, اقتبس ساركوزي مفردات تنم عن الورع والتدين. ولم ينس التطرق إلى (العلمانية) ومن جملة ما قال: (إن المسلمين واليهود والمسيحيين يؤمنون بإله واحد وهم في العمق مقتنعون بإله واحد يوجهون إليه صلواتهم وأدعيتهم.. إله واحد لكل الكتب المقدسة (000) إله لا يستعبد أحداً, بل إنه يحرر (000) إله يتجاوز كل اختلافاتنا, ولا ينفك يوجه للجميع رسالة تواضع ومحبة وتسامح وغفران واحترام الآخر. ويتساءل ساركوزي فيما إذا كانت تجاوزات وانحرافات بعض الأفراد تدعو إلى إدانة الدين بعينه, إذ لا يمكن إدانته لمجرد سلوكيات متطرفة قذرة تصدر من هنا أو هناك كما لا يمكن إدانة (الوطنية) لمجرد تجاوز بعض معتنقيها مبادئها القيمة.
ولكي يتدارك كل انتقاد لكونه رئيس دولة ترتكز سياستها على مبدأ فصل الدين عن الدولة, أكد مراراً أنه (يكن احتراماً لغير المؤمنين بالله بالقدر نفسه لأولئك الذين يؤمنون فيه بعمق).
وبالتطرق لهذا الموضوع الذي أتاح له, ظاهرياً, التأكيد على أنه لا يعرف البلدان (التي لا تستمد جذور ثقافتها وميراثها وحضارتها من الدين(000) وأكثر من هذا يعتبر أيضاً أن الديانات العظمى والفلسفات الكبرى تعلم الإنسان أنه وجد على الأرض ليبني ويعطي الحياة لا ليهدم ويقوض, كما أنه ليس موجوداً ليبغض أخاه بل ليغدق عليه حبه, ولخص أنه (بناء على ذلك) ينبغي (بناء سياسة الحضارة وهي حاجة ماسة للعالم, اليوم.
وانطلاقاً من هذا الإثبات, فإن سياسة التمدن التي يبشر بها ساركوزي والمقترنة بالقيم المشتركة لكل حضارة يجب أن تدمج البعد الثقافي والروحي والأخلاقي بهدف تجنب خطر تصادم الحضارات والتشديد على ما يجمع متجاوزين في الوقت نفسه ما يغرقهم(00) وهذه القيمة التي استلهمها -يستطرد ساركوزي-: أود أن أفرض احترامها في فرنسا وذلك بتأسيس مجلس ثقافي إسلامي وتسهيل بناء الجوامع حتى تتسنى للمسلمين الصلاة في أماكن لائقة. وانطلاقاً من هذه العقيدة الدينية, علينا ألا نتنكر لإمام أوكاهن أو حاخام, ويعني ذلك أن الزمن ليس لصالح اصطدام الأديان بل لصالح العمل على مكافحة تقهقر القيم الأخلاقية والروحية وأيضاً العمل على مكافحة المادية وانحرافات السلوكيات البشرية المتطرفة.
وبخطابه الديني الواضح للعيان, أراد ساركوزي أن يظهر نفسه مدافعاً حقيقياً عن المسامحة وقبول الآخر في سبيل تنوع ثقافي وديني. ولكن هذا الإلحاح على موضوع الدين القائم أساساً على الحضارة وقيم الحرية والتمدن يتحالف مع دعوة ليّ عنق العلمانية, المبدأ الوحيد الضامن للحرية الدينية وليس العكس.
وبعد أن هوجم في أيار ,1968 هل حاول ساركوزي بلمسات صغيرة أن يقضم أساسات العلمانية بل والهجوم على المبادىء الموروثة من ثورة 1789 والتي حملت ضربة قاضية للثقل السياسي للكنيسة في فرنسا? لا شك أن هذا هو الهدف الذي يبحث عنه من خلال الثورة المحافظة التي لم تعلن بعد عن اسمها.