وأنهم يفتقدون ذلك بسبب التفكير بمستقبلهم والمسؤولية الملقاة على عاتقهم طبعاً عند الغالبية فيقولون إنهم يعيشون مرحلة الكهولة.
فهل هذه مشاعر طبيعية? أم أن الطبيعي أن يتعب الشاب ويخوض تجارب تعطيه خبرة في الحياة? والسبب افتقادهم لبيئة عامة وتربية تعلمهم على الاختيار والقيام بأي عمل ومسؤولية وكأنه يحصل على خبرة سينتقل بعدها إلى مرحلة أغنى? هذا ما حاولت إضاءته في استطلاعي التالي..
رغم أنني في السادسة والعشرين من العمر أشعر أنني في مرحلة الكهولة, هذا ما تقوله ريم, طالبة الماجستير في جامعة دمشق والموظفة في إحدى المؤسسات الحكومية وعند سؤالها لماذا? تؤكد أن هنالك جملة من العوامل والأسباب, أولها المشكلات العائلية والضغوط الاجتماعية خاصة كفتاة قد تضطر لتقديم تنازلات لتصل إلى ما تريده إضافة للأزمات العاطفية والصدمات والمآسي, وهذه كلها تشكل تجربة فاشلة تترك أثرها من إحباط ويأس وتشعرني برغبة في الموت أو الانتحار.
وتضيف: يجب ألا ننسى مشكلات العمل من ضغط الرؤساء والمديرين وروتين العمل اليومي الممل مروراً بأجواء العاملين من ثرثرة وحقد وضيقة عين, إضافة لتبلور مبدأ اللا أمل أي ( اليوم مثل مبارح مثل بكرا ,كله مثل بعضه)
هموم الدنيا
وماذا عن علي 22 سنة طالب وموظف أيضاً فيقول:
لا أشعر أنني أعيش مرحلة شباب بل على العكس, أحس أنني أحمل هموم الدنيا من كثرة الإحباطات وأن عمري أصبح أكبر بعدة سنوات, حيث لا أجد وقت فراغ ولو قليلاً لممارسة هواياتي التي أحبها, فأنا محصور بالدراسة والعمل بتأمين مصروفي الجامعي أولاً فكيف إذا ما أردت تكوين أسرة, فهذا يحتاج لمنزل وعمل دائم ومصروف أكبر, فشبابنا نقضيه بالتفكير ب (كيف سنؤمن مستقبلنا...وننسى أنفسنا) وهكذا تضيع فترة شبابنا والتي هي أجمل فترات العمر دون أن نشعر بها ومثلي كثر.
وتؤكد (نورا - ع) 29 سنة -موظفة- ذلك بقولها: بعدي عن أهلي وتحملي لمسؤوليات فوق طاقتي لأن أخوتي يدرسون في الجامعة ونعيش سوية, ويجب علي تأمين كل شيء تقريباً, فأحس أنني أصبحت (شاباً) يتحمل حتى المشقات الصعبة كتعبئة المازوت, وكأنني ربة منزل, لقد مللت من كل شيء حتى من نفسي.
ماذا عن الجانب الآخر? وهل الجميع تعب ومحبط ومستاء أم إنها مرحلة أو فترة وتمر..?
بالمقابل نجد شباباً من كلا الطرفين يعيشون حياتهم كما يريدون (فاضيي البال) وهمهم هو الفرح والمرح والتسلية دون الشعور بأدنى حد من المسؤولية أو كما يقولون (دخن عليها تنجلي)..?!!
وحول هذا الموضوع تحدثنا الدكتورة كندا الشماط أستاذة في كلية الحقوق وناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل وتعمل حالياً في استراتيجية الشباب تقول: في الواقع نلاحظ أن قطاع الشباب غير راض عن الحياة الاجتماعية الاقتصادية التي يعيشها بشكل عام, فتشعر أنه لا يعجبه شيء فدائماً تكون متطلباتهم حتى أكبر من قدرة الأهل المادية.
ونرجع ذلك لأسباب مختلفة أهمها وأولها هوتطور الحياة ووسائل الاتصال الحديثة التكنولوجيا التي أفرزت كثيراً من القضايا والمسائل التي تعتبر من متطلبات الحياة العصرية بمفهوم البعض, بالمقابل إذا أخذنا هذه المتطلبات فإن تكاليفها المادية والمعنوية أيضاً مكلفة كثيراً.
بالمقابل فإن السؤال الذي نطرحه نحن عليهم هو أنه حتى نحن مررنا بمرحلة الشباب وكان لدينا متطلبات, لكننا بنفس الوقت كنا نبذل مجهوداً للحصول عليها والوصول إليها, في مجال الدراسة أو العمل أو التسلسل الوظيفي, ولم يفكر أحد فينا بأن يقفز من القاعدة إلى القمة مباشرة.
بعكس ما نراه اليوم فهناك فرص عمل, لكن الشاب يريد العمل المناسب بمفهومه, كالأجر المرتفع والعمل المريح والكل يعرف أن هذا الأمر مستحيل, ما يؤكد هذا الكلام هو ما نسمعه من غالبيتهم بأنهم يفكرون بالسفر إلى دول أخرى, وهذا طبعاً من أجل العامل المادي...?!!
لذلك فإن الاستراتيجية التي نعمل عليها الآن من خلال جلسات حوارية معهم لوضع البديل لهذه الإشكاليات.
بالمقابل هناك حلول, وهم جزء منها, فالشاب أيضاً هو المسؤول الأساسي عن تحقيق الرضا لدى نفسه, فمسألة القناعة بالواقع مهمة, ويجب ألا نقفز فوق طاقتنا أو إمكانياتنا المادية أو المعنوية, بل نعيش بمنطق الواقع, وضمن إطاره نصل إلى مفهوم القناعة, وفي رسالة موجهة إلى الشباب أقول: بقدر ما نطالب الوطن بتأمين إمكانيات وفرص عمل بقدر ما يجب أن نتساءل ماذا قدمنا نحن لهذا الوطن..??
ويتقاطع ما تقدم مع رأي الدكتور عزت شاهين أستاذ علم الاجتماع بجامعة دمشق فيقول: إذا أجرينا نوعاً من المقارنة بين شباب اليوم والشباب قبل فترة زمنية ربما ليست بالبعيدة, أعتقد أن الصورة ستكون واضحة من حيث السلبية عند الشباب الحالي تجاه قضاياهم بالدرجة الأولى, وتجاه أسرهم ويبدو واضحاً اتكالهم وتعودهم على الاستهلاك دون أن يشعروا ربما بأدنى حد من المعاناة التي تعانيها أسرهم لتأمين متطلباتهم, بمعنى أن اقتناء الشباب لإحد أجهزة الخليوي (كمثال) يأتي عنده متقدماً على سؤال, هل بإمكان الأب تأمينه له..? رغم وجود عينات ضمن الشباب وقد أصبحوا اليوم يتحملون المسؤوليات وأعباء تأمين احتياجاتهم وربما احتياجات إخوتهم الصغار أو الأسرة أيضاً, لكن أعود وأؤكد أنهم لا يمثلون إلا قلة أو نسبة بسيطة بين الشباب.