ربما كانت هذه الحكمة العربية أسلوباً انتهجه ذاك العاشق.. المعشوق... ذاك الرجل الغامض ( جان) في علاقته مع بطلة رواية (صمت الرجال) ,
هي أحجيته التي يطلقها ويلقيها بين يدي( إيديل) , متخذاً من الصمت سلاحه الأوحد في معركة العشق هذه.
إذاً... هي ذي طريقته اللامألوفة في حبه , الذي يدعي ,لإيديل...
فهل ما قدمته كريستين أوربان في هذه الرواية , هوالحب حقاً ... أم أنه شبيهه... ظله... مجرد رغبة مشبعة... حاجة مادية أكثر منها روحية?!!
-( كريستين أوربان) الروائية الفرنسية , التي عاشت في المغرب , تحكي لنا في هذه الرواية عن قصة حب فيها من الغرابة الشيء الكثير , غرابتها ولامعقوليتها تتبدى منذ نقطة البداية , من خلال ذاك اللقاء الصامت , المثير للعجب بين من سيصبحان حبيبين .
حيث يجتاح الحب (إيديل) , وبتعبير أدق , مدرسة الأدب التي أعطت لنفسها ذاك الاسم , وهو ذات الاسم الذي يجعل حبيبها المزعوم يتعرف إليها به على أنه اسمها الحقيقي.
وكأنما الروائية تشير هنا إلى عدم جدّية العلاقة فيما بينهما.
اللقاء الأول بينهما يكون في الحديقة , جلس هو منفرداً على مقعد ,وجلست هي قبالته , يغادر المكان دون أن ينبس بأي كلمة, وليعاود الظهور بعد ثلاث سنوات , في حفل يجمعهما معاً. يستغل هذا اللقاء , فيمضي بهابعيداً, حينما تتواطأ العيون كلغة ,دون كلمات ,يمضيان معاً دون أي مقدمات ولاتعريفات.
وهكذا تمضي العلاقة طوال سنة , ليس فيها سوى اللقاءات الغرامية , ودون أن يجري بينهما أي حوار حقيقي, دون أن تسمع منه أي جملة طويلة أو قصيرة , هي نتف من كلمات , بعض المفردات المتفرقة التي يلقيها في مناسبات مختلفة ,لاغير .
فأيديل تلك وقعت في حب رجل لاتعرفه , رجل لغته الوحيدة هي الصمت , وفيما الصمت هو لغته, نرى حالات البوح الذاتي هي ملجؤها الوحيد...
وكما لو أن حالات البوح التي ظهرت بصورة مونولوجات داخلية , هي الاسلوب الطاغي على سردية الرواية . إذ لا أحداث أخرى تتم على صعيد بنية الرواية, تستوجب قصها. فقط, هناك تأملات البطلة وتحليلاتها لماهية هذه العلاقة الصامتة ( التي ليس لها اسم) -كماترى- , تنشغل كل الوقت مفكرة بصمت ذلك الرجل, منهمكة في سبيل إيجاد مسمى لتلك العلاقة... ومع هذا تسارع وتتلهف للقائه في كل مرة , فهناك رغبة محمومة للقياه وعليها إطفاؤها.
- على الرغم من تلك المقدرة التي تظهرها ( أوربان) في التقاط تلك الحوارات الداخلية لبطلتها , الطاغية على البنية السردية , إلا أن فضاء الرواية يبدو فقيراً , وشخوص العمل محدودون بشخصية (إيديل) و (جان الحبيب) و(كليمانتين) الصديقة التي لن تظهر إلامن خلال تواصلها مع إيديل عبر الايميلات .
تنجح( أوربان) في تقديم فعل حب واحد لدى المرأة شرقية أو غربية, ماهية الحب هي واحدة لدى الأنثى أنّى كانت, تقول:( أفتش عن رجل يفضلني على القراءة, على الصيد , على عالم المال, على لعبة البريدج , على مباراة الغولف , على رفاقه, على التلفزيون , على الجريدة...إنه غير موجود).
كما وتلعب لعبة الإيهام التي تسلكها الكثير من الروائيات اللواتي يماهين بين شخصياتهن وشخصية البطلة , كأن تذكر أكثر من مرة , ذهاب بطلتها إلى المغرب , على سبيل المثال.
ومع هذا...
فإن( صمت الرجال) لاتعدو كونها عملاً أقرب إلى الوصف بمذكرات مراهقة , وبوصف أرقى هو مذكرات امرأة عاشقة تسجل تفاصيل إحدى علاقاتها التي بدت عابرة - في النهاية- إذ لاتقرن (أوربان) هذا الخط العشقي الشخصي لبطلتها (إيديل) بأي خط آخر مواز يغني العمل, فلامجريات أخرى سياسية , اجتماعية أو غيرها تتماشى مع فعل الحب الرئيس ,عدا عن ذكرها بعض الامور التي تأتي بها تأكيداً على عصرية الرواية ,مثل: تفجير مركز التجارة العالمي, استخدام الانترنت والجوّال وغيرها من أمور., لاتضفي أي جماليات تذكر على فنية العمل.
ليبقى السؤال العالق في ذهن القارىء...
هل ما قدم يرقى إلى مستوى الروايات الرومانسية العاطفية ..أم..?
وبشكل أعمق... ولربما هنا تكمن ميزة العمل الوحيدة , في إثارته لمثل هذا التساؤل :
هل هناك حب حقيقي خالص.. بعيداً عن الرغبة والشهوة...
أم أن تواجد الرغبة هو دليل الحب.. هل الحب حاجة تخلق الرغبة أم أن الرغبة هي التي تخلق الحاجات... وبالطبع الحب أهمها?!
رواية (صمت الرجال) - المؤلفة:كريستين أوربان - المترجمة:راغدة خوري - الناشر :دار الحوار2008م