يقاسمونه اللحظة التي لايعرفون متى تقتنص حياتهم فتأمر بتأبينها في سجل المبدعين..
نعم الأدباء الذين لكل واحدٍ منهم رؤيته الخاصة للزمن حيث حمله البعض في ذاكرة إبداعه، والبعض ألقاه من وراء اهتمامه وهناك من بقي مسكوناً به حتى آخر شهقة من حياته.
عبد السلام العجيلي طبيب وأديب اتّسمت حياته بالكثير من الإرهاصات والنكبات التي حالت دون تحقيق الوحدة العربية ماجعله أسير أزمنةٍ لاخصب فيها ولا أمل.. وهذا ماانعكس في كتاباته التي تتعلق بالمرأة حيث جعلها عاقراً لاتلد مثلما منحها الإباحية في الحب ما أراد به أن يعبّر عن نزعة الاستهلاك عند العرب.
ولأن العجيلي كان من بيئةٍ صحراوية وزمن محتل فقد سّخر الحياة بكل أوجاعها في خدمة كتاباته ليكون له زمنه الخاص الانطوائي والبعيد عن زمن المثقفين وجلساتهم.
كان يقضي مايتبقى له من وقتٍ بعد عمله في العيادة، في الكتابة التي لم يتوقع أن تجعل منه بطلاً على الورق، لطالما كان حلمه القديم بأن يكون بطلاً أسطورياً يفتح البلاد ويضرب في غربها وشرقها محارباً يُعلي كلمة الحق ويحرر الأرواح المستعبدة.
أدونيس -الشاعر الذي تجري حياته بما يشبه جريان نهر لايتوقف، يجد أن جميع الأزمنة ملك زمنه القادر أن يهدمها ليعيد بناءها من جديد، ولكن وفق رؤاه التي استفادت من التراكم المعرفي الذي فرضه عليه الزمن.
يتساءل دوماً: لماذا يظلّ الزمن في الثقافة التي ينتمي إليها، جاثماً، جامداً يرفض النهوض؟ وهو بذلك يرى أن جميع كتاباتنا ونظرياتنا وعلى امتداد القرن العشرين المنصرم لم تكن إلا تأسيساً لشيء واحد، هو كتابة المستقبل بمداد الماضي..
إنه يكتب لزمنٍ قادم تكون كتاباته فيه مقروءة ومتداولة بسهولة لايستطيع الزمن السطوة عليها أو على وقائعها.
إنه أبو الأزمنة جميعها وليس ابناً لوقت واحد.. هذا مايؤكده بالقول: ابحثوا في حاضري عن مستقبلكم، فلا آنٍ يحجب الشاعر عن آن، إذ كل يوم هو في حال..
غادة السمان- الكاتبة المتمردة والمتنكرة خلف الكلمات الأنثى الخارجة عن الذات إلى فضاء أرحب.. إنه فضاء الوطن يقين الذاكرة- ذاكرتها التي هتكت حجاب المحرمات الموروثة من العصور الظلامية..
تعيش ضمن اللغة وفي كل الأزمنة مطالبة بالكشف عن النزيف الذي يغزو حياتنا فيجعلنا نعاني من دوار الدوران حول الجرح الأصلي الذي نعجز عن مواجهته- تقول:
الزمن يبدّل كل شيء، وفي عالمنا العربي تبدلت أقنعة الازدواجية فصارت تتنكر بالخرافي والمقدس- غادة السمان تعاني من اعتلالٍ زمني تخشى أن يجذبها إلى عصور الصدأ.. مايجعلها تصرخ بلسان قناعتها: «هذا الزمن هو مرضي، دعوني أخرج من جاذبية المكان والزمان وأختار ضغطي الجوي والإنساني لأهيم في غابات الحرية!.
ولأنها تدرك أن الزمن هو المنتصر دوماً.. تحاول أن تتحداه بالحب الذي سرعان مايهزم أمام زمن يُميت كل الأشياء ليحيا..
«تُعلّمنا، وحين نستوعب الدرس تقتلنا، فلماذا تقدم الموت لتلامذتك كلهم كهديةٍ في حفلة تخرج؟ .
ممدوح عدوان- الشاعر والكاتب المسرحي والروائي الذي زاول الحياة بشغف وحكمة دون أن يغصّ قلمه ومامن جبروت الزمن- فهو ابن الزمن وشقيق أبناء زمنه الذين يرضيهم بالاستفزاز الأدبي.
عاش في نزالٍ مع الزمن الذي أثر على حياته وتفكيره بطريقة كلما حاول هزمها بالكتابة هزمته وهي تعيده إلى زمن الطفولة الذي يحن إليه أكثر فأكثر مع دخوله أزمنة الغربة.
عدوان ورغم تأثير الزمن على عواطفه إلا أنه لا يعترف بسطوته المقاسة بالساعات والتي تجعل إحساسه بتقدمه في العمر يهرم طالما بقي القلم في يده.
«رغم أنني تجاوزت الستين لكن لا أشعر نفسي كبيراً، ولولا المرض لاشيء يتغير في همتي وإقبالي على الحياة فما زال لدي مشاريع عمل وأنا أعمل بعيداً عن افتراض أني سأموت».
كوليت خوري- تعترف بأن الزمن إله جبار يتحكم بالناس، لكنها تسير معه دون أن تلتفت إلى الوراء لتبكي على الأطلال- تبكي لحظتها- وتحلم أحلام زمنها الحاضر وتصرخ راغبة في الاحتجاج ولكن بأصابعها التي تحاول بها أن توقف الزمن لتضع الكلمات في مكانها وتعطي الوقت حقه قبل أن توزّع هدايا إصداراتها لمن هم أبناء اليوم لا البارحة.
ولأن دمشق الياسمين هي كل الأزمنة التي عاشتها وتعيشها كوليت فهي ترى أن ذاكرتها تعبق بشكل دائم برائحة الزمن- المتجدد ،عبقاً بتجدد فوح الياسمين..