وخاصة في ضوء تزايد تدخل الأطراف الخارجية في شؤونه الداخلية وتضارب المصالح السياسية بين أكثر من حزب ضمن التركيبة السياسية في هذا البلد الذي يعاني أصلاً من جملة من التحديات الداخلية والخارجية خلال الفترة الماضية والتي أرخت بظلالها على مجمل الحياة العامة في هذا البلد. وبالرغم من قرار الحكومة إعادة القضاة الذين أقالهم الرئيس السابق برويز مشرف عام 2007 وعلى رأسهم محمد افتخار تشودري كرئيس للمحكمة الدستورية العليا إلا أن هذه الخطوة قد لا تكون كافية لنزع فتيل الأزمة المتصاعدة مع تنامي الخلافات الداخلية وتشعبها مترافقة بالضغوط الغربية التي تمارس على اسلام آباد وخاصة فيما يتعلق بالحرب على ما يسمى بالإرهاب وتصاعد قوة المسلحين في أفغانستان المجاورة واتهام واشنطن للسلطات الباكستانية بتسلل قسم كبير منهم عبر الأراضي الباكستانية وما يعرف بالمناطق القبلية في الحدود الفاصلة بين الدولتين.
وفيما اعتبر محللون خطوة إعادة القضاة والمعارضين الذين جرى اعتقالهم في التظاهرات الأخيرة عامل ضعف وتهاون للحكومة وللرئاسة على حد سواء وعلى رأسها الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري، رأى آخرون بأنها لا تشكل نصراً أو تغييراً جوهرياً على المعادلة السياسية الحالية في باكستان لصالح زعيم المعارضة نواز شريف بالرغم من رجحان الكفة لصالحه وظهوره بمظهر المنتصر بعد القرارات الأخيرة للحكومة وإنما زادت من الغموض والضبابية والحذر على المشهد السياسي في هذا البلد، في حين رأى قسم ثالث أن الحكومة قد اتخذت موقفاً حكيماً بقرارها الجديد بالاستجابة لبعض مطالب المعارضة ونزعها بذلك فتيل أزمة كانت تهدد بإغراق البلاد في الفوضى رغم أنها بدت في موقف الضعف.
ومن خلال تلبية هذه المطالب استطاعت الحكومة تخفيف التوتر والاحتفان السياسي الذي تزايد في الآونة الأخيرة والتهديد بتفجير أعمال عنف في مختلف مناطق البلاد بما فيها العاصمة إسلام آباد.
ويخشى المراقبون من أن تؤدي التدخلات الخارجية وخاصة الأمريكية منها إلى إعادة الاحتقان بين الأطراف الباكستانية المختلفة وتأجيج التوتر والخلافات مدفوعة بالمطالب الثقيلة لواشنطن من اسلام آباد فيما يسمى (الحرب على الإرهاب) وإيقاف تسلل المسلحين إلى أفغانستان ذات الحدود الطويلة معها والتداخل البشري والجغرافي المتشابك والذي يجعل من هذه المهمة أمراً بالغ التعقيد، وخاصة في ضوء تزايد الرفض الشعبي للتدخلات الأمريكية في شؤون هذا البلد وانتهاكها للسيادة الباكستانية أكثر من مرة بحجة ملاحقة الإرهابيين وأدت الضربات الجوية التي نفذتها إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين إضافة إلى الضغوط الأمريكية لإبقاء هذا البلد الإسلامي الوحيد الذي يمتلك السلاح النووي ضمن دائرة النفوذ والاملاءات الأمريكية، وبغض النظر عن من انتصر في المواقف الأخيرة سواء أكان زرداري أم نواز شريف فأنه من الواضح أن هناك مؤشرات تدل على دخول البلاد مرحلة جديدة من التوتر والتنافس السياسي الحاد على الأقل وأن احداثاً كثيرة سوف تكون وليدة المرحلة القادمة، وما يخشاه المراقبون هو انفلات الأمور من بين أيدي القادة السياسيين في باكستان وتحولها إلى مظاهر عنف واقتتال قد لا يحمد عقباها، وخاصة أن هذا البلد يعاني من أزمة اقتصادية وحالة عدم استقرار عامة.