وبين ما ارتكبه الصهاينة في لبنان وفلسطين أو بين ما ارتكبه الأميركيون في العراق وأفغانستان لذا فإن السؤال الذي ينبغي طرحه:ما وراء قرار محكمة الجنايات هذه بحق البشير؟!
للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نعرف مسبقا أن النوايا الأميركية الأوروبية لجهة تقديم البشير إلى المحاكمة تعود إلى أكثر من 15 عاما على خلفية إضعافه للتمرد الذي أججته ما يسمى بالحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب وهي الحركة التي وقعت فيما بعد اتفاق سلام وتقاسم سلطة مع الحكومة السودانية قبل أربع سنوات.
نجاحات البشير في حربه ضد حركة التمرد في الجنوب أدى إلى انشقاقها إلى جناحين تقاتلا فيما بينهما، وعلى خلفية نجاحات البشير وسيطرته عسكريا على الجنوب السوداني بدأت أجهزة الاعلام الأميركية والغربية ومنظمات اللوبي الصهيوني تتحدث عن حرب أهلية بين الشمال والجنوب وتثير الشائعات حول قيام ما يسمى بالشمال العربي المسلم بارتكاب مذابح ضد الجنوب الافريقي المسيحي ، وتصاعدت هذه الحملات لدرجة اتهام الشمال باسترقاق الجنوب.
وحاولت آنذاك الولايات المتحدة وبعض المنظمات غير الحكومية دفع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات ضد السودان وتقديم البشير للمحاكمة ضمن سيناريو المحاكمات الدولية التي طالت يوغسلافيا ورواندا وسيراليون وليبيريا ولكن هذه المخططات باءت بالفشل بسبب افتقارها للأدلة والاثباتات، ومعارصة الزعماء الأفارقة لها، ونجاح حكومة الخرطوم بتوقيع اتفاق سلام مع الحركة الشعبية بقيادة جون غارانغ آنذاك.
بعد هذا الفشل تحولت حملات الغرب ضد البشير باتجاه استغلال الاضطرابات القبلية التي طالت اقليم دارفور وفجأة سمع العالم بالصراع داخل دارفور وتوجه إعلام الغرب لتضخيم المشهد هناك منذ عام 2003 في حين أن الصراع داخل دارفور يعود إلى بداية الثمانينات.
وكان أن نجحت جماعات اللوبي الاسرائيلي والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية من خلال دعمها لبعض الجماعات المسلحة الدارفورية ذات الأصول الإفريقية، بتحويلها إلى حركات تمرد نظامية ذات توجهات سياسية انفصالية لها ارتباطات مشبوهة ببعض الحكومة الإفريقية التابعة للغرب.
بعدها بدأ العالم يسمع باتهامات أميركية لحكومة البشير بارتكاب مذابح وعمليات إبادة ضد سكان دارفور الأفارقة، وقد شكل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة على إثر ذلك لجان تحقيق بهذه الاتهامات ما لبثت أن قامت بنفيها، ما عرض أعضاءها إلى اعتداءات من قبل حركات التمرد.
فيما بعد بدأت مرحلة جديدة من الاتهامات ضد البشير ولفقت تقارير وشهادات عن ارتكابات منسوبة للجيش السوداني داخل دارفور اشتغلت عليها حركات التمرد وتبنتها واشنطن وبعض الدول الأوروبية ورفعتها عن طريق مجلس الأمن إلى محكمة الجنايات الدولية، التي تبنى مدعيها العام أوكامبو وجهة النظر الغربية، وأصدر عددا من مذكرات الاعتقال ضد مسؤولين سودانيين كان آخرها مذكرة توقيف الرئيس البشير، في وقت تحاول فيه الخرطوم بكل قوتها التوصل إلى اتفاق سلام في دارفور مع عدد من حركات التمرد في الاقليم برعاية قطرية، ما يعني أن قرار المحكمة جاء في هذا التوقيت بالذات لضرب كل مساعي حلحلة الأزمة في دارفور وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الرغبة الخفية لدى بعض الدول في إبقاء نار الأزمة في دارفور مستعرة ليسهل عليها تنفيذ مخططات التدخل بشؤون السودان الداخلية ومن ثم الهيمنة والاستيلاء على ثرواته ومقدراته.