تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تركيا ... وتغيير المعادلات الجيوسياسية

شؤون سياسية
الثلاثاء 24-3-2009
د. فريد حاتم الشحف

أثارت المواقف التركية الأخيرة-الرسمية منها والشعبية- تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة الكثير من التساؤلات كونها تمثل انقلاباً سياسياً على مواقف الحكومات التركية السابقة.

فالمتتبع للشؤون التركية يجد في هذا التحول نتيجة منطقية و ردة فعل مسوغة على سنوات طويلة من التعثر والإخفاقات في السياسة الخارجية التي وضعت لنفسها أهدافاً وأولويات لا تتماشى مع التغيرات الجيوسياسية الحاصلة في العالم خاصة بعد انحلال الاتحاد السوفييتي.‏

وإذا كانت تركيا إحدى دول المواجهة الأولى لحلف شمال الأطلسي مع الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة وقاعدة عسكرية متقدمة له فإنه وبعد انحلال الاتحاد السوفييتي انتفت الحاجة لذلك ونشأت ظروف جيوسياسية جديدة لم تستطع القيادة التركية آنذاك التكيف معها بما يتناسب والواقع الجديد.‏

وكانت حرب الخليج الثانية أعوام 1990-1991 فرصة لتركيا لأن تعود من جديد إلى الشرق الأوسط الذي يمثل امتدادها الطبيعي، لكن الرئيس أوزال آنذاك وبغض النظر عن رأي معظم مستشاريه والقيادة العسكرية رمى بثقل تركيا الكامل إلى جانب الحملة العسكرية الأميركية على العراق والتزم بعقوبات الأمم المتحدة ضدها بقطعه أنابيب النفط التي كانت تدر مليارات الدولارات على تركيا ونشر حوالي مئة ألف جندي على الحدود معها وسمح للولايات المتحدة باستخدام الأراضي التركية لشن غارات حربية عليها.‏

وبعد الحرب سمحت تركيا للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا باستخدام قواعدها العسكرية لمراقبة الحظر الجوي في شمال العراق.‏

كما وقعت تركيا مع إسرائيل اتفاقية للتعاون العسكري عام 1996 شملت خطة مشتركة لتدريب الطيارين العسكريين وإجراء التدريبات العسكرية المشتركة واشترت تركيا أسلحة من إسرائيل في عام 1997 بقيمة ملياري دولار.‏

كانت القيادة السياسية في تركيا تأمل آنذاك أن تثبت لأمريكا أهمية تركيا كشريك استراتيجي للولايات المتحدة وأن يساهم ذلك في قبولها كعضو كامل الحقوق في الاتحاد الأوروبي لكن الحسابات التركية لم تتناسب مع »البيدر الأمريكي والغربي« لم تقبل تركيا في الاتحاد الأوروبي بالرغم من التنازلات الكثيرة التي قدمتها لهذا الغرض ولم تصبح شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة بل ما حصل عكس ذلك.‏

كما أن هناك مسألة هامة لا بد من الإشارة إليها وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا كانتا قد شجعتا تركيا- الدولة الإسلامية العلمانية- إثر انحلال الاتحاد السوفييتي مباشرة على الدخول بقوة والتأثير في جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز لمنع ومواجهة تأثير إيران- إلا أنه وبعد انتهاء شهر العسل في العلاقات الروسية-الأميركية إضافة إلى التقارب الروسي-الإيراني الذي أنهى الحرب الأهلية في طاجكستان قد حدّ من هذا التأثير وأدى إلى تراجع الدور التركي في هذه المنطقة.‏

أخذت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية تنطلقان من الواقع الجديد الذي نشأ في المنطقة حيث ابتعدت تركيا عن واشنطن وهذه العوامل وغيرها هيأت الأرضية لوصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة والذي حقق نجاحات ساحقة في الانتخابات البرلمانية أعوام 2002 و2007 حيث تبنى هذا الحزب سياسة مغايرة للسياسة السابقة وأحدث تحولاً هاماً في سياسة تركيا الخارجية أخذت تعتمد على أسس استراتيجية جديدة أهمها:‏

- اتباع سياسة خارجية مستقلة وعدم الانخراط في سياسة المحاور.‏

- الاعتماد على مكامن القوة الجيوسياسية لتركيا في علاقاتها الخارجية.‏

- محاولة التأثير في الأحداث السياسية الجارية في المحيط الجيوسياسي التركي من خلال البقاء على مسافة واحدة من جميع الأطراف.‏

- العمل على أن تكون تركيا دولة إقليمية قوية لها دور أساسي في آسيا الوسطى والقوقاز ومنطقة الشرق الأوسط.‏

وقد بدا هذا التغيير واضحاً من خلال التوجهات السياسية في السنوات الماضية والتي أدت إلى:‏

1- تحسن العلاقات مع سورية.‏

2- انخراط تركيا في عملية السلام ورعايتها للمحادثات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل.‏

3- قيامها بوساطة في عدد من الصراعات والنزاعات في المنطقة كان آخرها الصراع الروسي الجورجي.‏

4- تحسين علاقاتها مع إيران ودعوتها لحل سلمي للملف النووي الإيراني.‏

5- تحسين علاقاتها مع أرمينيا.‏

6- المساعدة في تحقيق المصالحة اللبنانية.‏

7- تحركاتها الدبلوماسية أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة لوقف الحرب.‏

إن التطورات الجارية داخل تركيا والتحركات الشعبية تؤكد أن المواقف الرسمية التركية الأخيرة ليست استثنائية وإنما هي انعكاس لهذه التطورات التي أخذت تتبلور في تركيا بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وتدل على توجه استراتيجي جديد يحاول إعادة تركيا إلى بيئتها الطبيعية وعمقها الاستراتيجي.‏

وقد كتب مستشار أردوغان للسياسة الخارجية أحمد داوود أغلو في كتابه «العمق الاستراتيجي» الذي صدر منذ عدة سنوات أن مستقبل تركيا ليس في أوروبا وإنما في آسيا ودعا إلى تأسيس «كومنولث» يضم الدول الإسلامية المجاورة بما فيها سورية وإيران.‏

وإذا ما صحت تنبؤات أحد المتظاهرين الذين كانوا في استقبال أردوغان لدى عودته من دافوس: «إن أردوغان أيقظ مارداً دخل في سبات منذ نحو قرن من الزمن» فإن هذا المارد وبالتعاون مع إيران الدولة الإقليمية الآخذة بالتطور والدول العربية والإسلامية المجاورة وما لهذه الدول من تأثير إقليمي في المنطقة المحيطة المسيطرة على منابع النفط الرئيسية سيغير معادلات جيوسياسية هامة في المنطقة والعالم.‏

تعليقات الزوار

مصطفى حرويل |  must55@mail2world.com | 24/03/2009 00:10

تحليل جامع مانع .رؤية مختصرة , لكنها في الوقت ذاته غنية بالدلالات الذكية , نرجو من الصحيفة والكاتب مزيدا ً من التركيز على الدور التركي لما له من أهمية بالغة على مسار الأحداث السياسية مستقبلا ً , وقد يكون هذا الدور ذو تأثير أكبر بكثير مما يتوقع الكثيرون

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية