وتتصاعد المخاوف أيضا من عودة العمالة المهاجرة إلى بلدانها ، فقد تقاطعت الأنباء بأن الإمارات العربية المتحدة تعتزم فعليا تسريح نحو 320 ألف عامل خلال العام الحالي معظمهم من الوافدين ، وبالطبع سيكون بين هؤلاء عدد كبير من السوريين الذين بدؤوا فعليا في إرسال سيرهم الذاتية لشركات ومؤسسات سورية تعمل في أنشطة مشابهة لتلك التي يعملون بها في الإمارات، ويقدر المستشار الاقتصادي زياد أيوب عربش أعداد العائدين بـ/50/ ألف سوري ، وتوصف العمالة السورية المهاجرة بأنها مدربة ومؤهلة لاسيما في قطاعي الخدمات المصرفية والمعلوماتية ، ويقول الدكتور عربش إن معاناة هذه العمالة بدأت مع الأزمة المالية العالمية وانهيار أسعار النفط وتنحصر تلك المعاناة في ثلاثة أمور الحفاظ على الوظائف ، والحفاظ على سلم الرواتب والأجور ، وثالثها إيجاد فرص عمل جديدة سواء للعمالة العاطلة في البلد ولمنتظري السفر، ويضيف عربش ان كثيرا من العمال السوريين وخاصة في دبي تراجعت رواتبهم بنسبة 50 بالمئة، وبسبب استمرار الأزمة لم يعد الأمر مقتصرا على قطاعات دون غيرها ، ما يعني ارتفاع أعداد العائدين إلى سورية ويدعو عربش إلى إنشاء خلية أزمات لاستقبال العمالة العائدة من الخليج ، فعودة العمالة يعتبر تحديا وفرصة ذهبية لسورية للاستفادة من طاقاتها المغتربة فتخريج مهندس يكلف 10 ملايين ليرة سورية يدفعها الأهل والحكومة ، ويشدد عربش على ان هذه فرصة من ذهب لأن مكامن النمو في سورية مازالت عديدة ولابد من تفعيلها ، فسورية اليوم تدخل في مسار نمو تصاعدي وقد تستطيع التعويض قليلا من فاقد التنمية بعودة هؤلاء. وقوافل التسريح لن تقف في الإمارات وحده بل ستطول معظم الدول العربية المستقبلة للعمالة، لاسيما إذا عرفنا أن مجموع العمالة الوافدة إلى دول مجلس التعاون الخليجي تقترب من 15 مليون عامل تشكل نسبة العمالة العربية منهم 23.3 بالمئة ، فيما تشكل العمالة الآسيوية 69،9 بالمئة . ولعل أول المخاوف من عودة العمالة المهاجرة هو انخفاض تحويلاتها إلى بلدانها الأم ، فتحويلات هؤلاء المغتربين تعتبر من أهم التدفقات المالية للبلدان النامية على مستوى العالم. فهي تفوق كثيرا العون الإنمائي الرسمي وتتخطى أيضا سقوف الاستثمار الأجنبي المباشر . فقد كان مجموع التحويلات الرسمية في العالم عام 2007 ما قيمته 318 مليار دولار ، اتجه 240 ملياراً منها إلى البلدان النامية . وقد مثلت هذه التحويلات ضعفي مجموع المعونات الرسمية وثلثي حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر .
850 مليون دولار تحويلات السوريين في 2008
وكان نصيب البلدان العربية من تلك الكتلة 32 مليارا أما العام الماضي فقد ارتفعت الحصة إلى 35 مليار دولار ، والتحويلات المسجلة- التي رصدتها منظمة العمل العربية - هي التحويلات الرسمية . والتحويلات غير الرسمية قد تضاهيها أهمية إذ هي تمثل 79% من إجمالي التحويلات لسورية( إجمالي تحويلات السوريين 850 مليون دولار العام الماضي ) و57% للجزائر و56% لمصر و53% للأردن و34% للمغرب و 7% للبنان . وفي هذا السياق نشير إلى أن نسبة التحويلات البينية العربية ، أي الناتجة عن التنقل بين البلدان العربية لا تمثل إلا قرابة 26% من تلك التحويلات لمجموع البلدان العربية ،أما مصدر التحويلات الأهم فهو من بلدان الوحدة الأوروبية بنسبة 43% ثم من أمريكا الشمالية بنسبة 15% اما حجم التحويلات البينية العربية قد بلغ عام 2008 نحو 9.1 مليارات دولار كتحويلات رسمية .
ومع أن البلدان العربية تستقبل تحويلات مهمة إلا أنها تصدر من هذه التحويلات أكثر مما تستقبل . فالتحويلات إلى الخارج من بلدان مجلس التعاون الخليجي ومعها ليبيا ولبنان تمثل ثاني أكبر مصدر للتحويلات في العالم بعد الولايات المتحدة وهي وإن كانت تمثل مصدر ربع التحويلات إلى البلدان العربية فهي تمثل مصدر التحويلات بنسب أكبر لبلدان مثل بنغلاديش 63% ولباكستان 52% والفلبين ( ما بين 80 – 90% ) . أما التحويلات إلى الهند من بلدان مجلس التعاون فربما بلغت كما قالت وزيرة الاقتصاد الإماراتي الشيخة لبنى القاسمي 20 مليار دولار حولت من قبل ستة ملايين هندي في المنطقة . وتمثل التحويلات من بلدان المجلس عبئاً اقتصاديا ثقيلا إذ تمثل نسبة تتراوح ما بين 5 – 10% من الناتج المحلي لهذه البلدان . ففي عام 2007 تم تحويل 15.7 مليارا من السعودية و8 من الإمارات و 4.1 من قطر و 3 من الكويت و 2.8 من عمان . وربما كان مجموع التحويلات الرسمية من البلدان العربية قد بلغ تلك السنة 40 مليار دولار . ومن الأرقام الطريفة القول ان دول المجلس قد حول منها خلال الفترة 1975 – 2002نحو 413 مليار دولار .و ما سبق من حديث عن الوضع العربي القاتم نجد له صدى دوليا لايقل سوداوية وفداحة عنه ، فالدعوات الآن تتصاعد في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لإجبار الحكومات على إلزام المهاجرين العاطلين عن العمل بمغادرة البلاد التي يقيمون فيها ، ففي الاستطلاع الذي أجرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية تبين أن مستويات البطالة وصلت إلى أرقام لاسابق لها ان في الولايات المتحدة أو أوروبا فقد بلغت في إسبانيا أكثر من 14% وفي ألمانيا اكبر اقتصاد أوروبي سجلت أكثر من 7% وفي فرنسا تجاوزت 8%، في حين سجلت ببريطانيا أعلى مستوياتها منذ عشر سنوات وهو 6.3% أما في الولايات المتحدة فالبيانات التي تم إعدادها في شباط الماضي تشير إلى أن النسبة تقترب من 8.1%، وهو أعلى مستوى لها منذ ربع قرن.فقد خسر 4.4 ملايين أميركي وظائفهم منذ بداية الركود في كانون الأول 2007 وحتى شباط الماضي.