و هناك من يريد العكس و يطالب بتكسير العلاقات.
و هناك فئة ثالثة ترى أنه من الصالح وجود قاعدة توفيقية بين الحكام و المثقفين يمكن أن تكون في فائدة الناس. لكن الأشخاص الذين يقاومون فكرة التجسير هذه يرون أن هذه الجسور إنما هي قائمة بطريقة موضوعية و طبيعية، فيطالبون بتقليل الجسور هذه و لا الزيادة فيها، حسب قول أمين عز الدين (أنظر مجلة المستقبل العربي، سنة 1983). و يعقب محمود أمين العالم على هذا الرأي، كاتبا: “ التقليل من هذه الجسور، أم كسرها ؟ نعم هناك من المثقفين من يقفون موقفا على النقيض تماما من موقف التجسير، إذ نراهم يطالبون بتكسير العلاقة بين المثقفين و السلطة لا تجسيرها. و إذا كانت دعوة التجسير هذه هي دعوة توفيقية تبريرية، فإن الدعوة إلى التكسير بالرغم مما تتضمنه من روح نقدية غاضبة، فهي دعوة مثالية.”
نجد هذه الدعوة عند الأستاذ أمين عز الدين و هو يشكو من أن الخبراء العرب يقدمون العديد من الحلول الرشيدة لمختلف المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية المتراكمة و التي لا تكاد تمس من قريب أو بعيد أسس المجتمع الراهن أو تهدد كيانه. و رغم هذا فإن الجهود تواجه دائما بالرفض الرسمي و هو ليس رفضا صريحا بل هو رفض غامض و خبيث. و ينتقد الأستاذ أمين عز الدين المواقف الانسحابية أو التوفيقية لبعض الخبراء إزاء هذا الرفض الرسمي و يرى أن الموقف الصحيح هو أن يعلن الخبراء العرب رفض المشاركة في أي مؤتمر ما لم تعلن الحكومات التزامها بتنفيذ الحلول، و إدانة موقف الحكومات، و خلق تيار للخبرة العربية المتحررة داخل كل قطر عربي و على المستوى القومي يتجه بالحلول إلى الجماهير. و مع أهمية الدعوة التمردية هذه، فإنها، بشكل عام، لا تمس جوهر البنية السلطوية القائمة (أنظر مجلة النهج، العدد 17، سنة 1987، دمشق).
و يذهب عبد اللطيف اللعبي المفكر المغربي إلى أقصى الحدود عندما يكتب: “ إن المثقف الحقيقي هو الذي قطع علاقته مع جميع السلطة...و يقوم بالاضطلاع الأمين بعمله كمثقف...و عمل هذا النوع من المثقف عمل لا مرئي و صامت بالضرورة و لكن هذا العمل يبقى رغم هذا محاولة جريئة لمقاربة الحاضر و الماضي رهانا على المستقبل. و هكذا ربما لأول مرة يستطيع الإبداع الفني و الفكري و النظري أن ينطلق من إشكاليته الخاصة و يعيد الارتباط بالواقع العاري و العميق دون أن يعبر صراط السلطة و كواليسها...إننا نرفض الفصل المتعسف بين السياسي و الثقافي. و لكننا حريصون على بيان خطورة عدم التمييز بينهما. المهم هو قدرة المثقف على الاحتفاظ بالتوازن الصحيح و الاحتفاظ بمهمته التي تكمن في تعريفه الواقع للناس و نقد الأفكار و الممارسات التي تحتجز حرية الكلام و الذهاب و الاياب بين الممارسة النظرية” (أنظر مجلة الطريق اللبنانية، ص 90، سنة 1984).