اختيار أفضل رواية أمريكية و إعلان شركة أمازون عن كتبها الأكثر مبيعاً.. و غيرها من النشاطات.. في ثقافة التنافس و التسويق هذه، ما الذي يفسر إدماننا على قوائم التصنيف؟ هناك توافق بين العديد من كبار أدباء العالم و شريحة واسعة من القراء على أن تلك القوائم تعسفية و باهتة و لكن لا يمكن مقاومتها في ثقافة التسويق التي تسيطر على عالم الأدب المعاصر. و بالإضافة إلى ذلك، تبدو هذه اللعبة مناسبة بشكل كبير لفضاء الإنترنت النرجسي.
و لكن لماذا تحدث تلك القوائم كل ذلك الجدل في الأوساط الأدبية؟ من الواضح أنه في عالم الإعلام و الاتصالات المعاصرة توفر قوائم الأعمال الأدبية المختارة علامة من علامات التعدد اللا نهائي لتوافر المعلومات و خيارات القراءة المتاحة. لقد نشرت الأوبزرفر قبل أربعة أعوام قائمة بأعظم مائة رواية في تاريخ الإنسانية. و في العام الماضي نظمت الأوبزرفر و صحيفة نيويورك تايمز استطلاعاً لاستبيان رأي مجموعة كبيرة من أهم الأدباء المعاصرين حول أهم رواية كتبت باللغة الإنكليزية خلال ربع القرن الأخير و كانت النتيجة أنه لا يمكن الإجماع على جواب. لقد حمل ذلك الاستطلاع دلالات و علامات مرضية في الحياة الأدبية المعاصرة. و يبدو أنه من أهم تلك العلامات أننا في عصر العولمة الذي يفترض أننا فيه على تواصل دائم يزداد جهلنا و ابتعادنا عن بعض. لقد فقدنا إمكانية الإجماع و لم نعد قادرين على استعادتها. و يعود ذلك إلى تغير الطريقة التي نقرأ بها.
في سياق هذا المشهد المعقد و المتعدد ما الذي يحدد قيمة ما تصدره مؤسسات البحث و النشر من قوائم و استطلاعات لا تكف عن رصف أسماء الكتاب و الأعمال الأدبية في قوائم لا تكف بدورها عن التغير و الاختلاف و التناقض؟ كيف يمكن مثلاً الإجابة على هذا السؤال البسيط: ما هي أعظم عشرة أعمال أدبية في تاريخ الإنسانية؟ هل يمكن الاتفاق على جواب؟ لقد كان هذا السؤال موضوعاً لدراسة صدرت مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية من إعداد الناقد المعروف ج بيتر زاين. و دراسة زاين هذه تقوم على استبيان رأي 125 أديباً عالمياً معاصراً. و في قائمة الأعمال الأدبية العشرة الأعظم التي وصلت إليها هذه الدراسة احتلت آنا كارنينا لتولوستوي المرتبة الأولى.
من المؤكد أن قائمة زاين تعكس وجهة نظر ثقافية محددة، حيث لا يمكن تجاهل تأثير الوسط الثقافي الأمريكي في تحديد معايير الاستطلاع. و ليس مفاجأة أن مجموعة من أهم أدباء العالم رفضوا الإجابة على سؤال زاين و المشاركة في استطلاعه الذي وجدوه غير ذي جدوى. لقد امتنع عن المشاركة كل من كورماك مكارثي، توم ستوبارد، إيان ماكيوان، سلمان رشدي، ف س نيبول و مارتن اميس. و في الوقت نفسه استطاع زاين الحصول على مشاركة أدباء آخرين مثل لوري مور، آني برولكس، ، توم وولف، ستيفن كينغ و نادين جورديمر.
بيتر كاري، الحائز على جائزة بوكر للرواية مرتين، قدم إجابة على سؤال أعظم عشرة أعمال أدبية تضمنت نماذج كلاسيكية مثل تولوستوي، دوستويفسكي، ديكنز و بروست لكنه أضاف إلى إجابته ملاحظة تلخص الإشكالية في تكوين الذائقة الأدبية المعاصرة و العبثية في إصدار قوائم تحدد علاقة القارئ بالأدب. يقول كاري: “ليس هنا جيمس جويس أو ت س إليوت أو فرانز كافكا، رغم أنهم أبدعوا النهر الذي نسبح فيه.ليس هنا فولكنر، رغم أني أدين له إبداعياً بكل شيء. و ليس هنا تشيخوف، فأي قائمة هذه؟! العبقرية و القوائم لا يتفقان”. فعلاً إن النظر إلى الأدب من زاوية العبقرية يؤدي إلى صورة غير مكتملة. إن شكسبير عبقري، لكن بن جونسون و ملتون و دريدن رغم عظمتهم ليسوا عباقرة. و كولريدج عبقري، لكن ووردسورث ليس كذلك. و على طرفي الأطلسي، كل من إدغار آلان بو و ميلفيل عبقري ساهم في تغيير رؤيتنا للعالم، لكن قوائم التصنيف الأدبي لا تضمهما.
كم من الأدباء المعاصرين ينطبق عليهم وصف العبقري؟ ربما تتفق شريحة واسعة من القراء على عبقرية كتاب مثل ف س نيبول و هارولد بينتر. لكن الحقيقة المؤكدة أن كل ما نتفق عليه اليوم من تصنيفات و قوائم سيبدو مختلفاً بعد مائة عام و ستظهر على الدوام قوائم جديدة.
هل يمكن إدراك منطق ما يحكم الذائقة الأدبية المعاصرة؟ هل نحن في عصر ذهبي للقراءة؟ لم يحدث في التاريخ من قبل أن توفر عدد كبير من الكتب و الاصدارات كالذي يتوفر بسهولة في عصرنا. و لكن مع ازدياد التعدد و الانتشار تزداد صعوبة الإختيار. ماذا نختار و من أين نبدأ؟ هذه هي ورطة القارئ المعاصر، وفرة الخيارات و تحدي ممارسة الحرية الفردية في القراءة. تكمن المفارقة في أن القارئ الجدي لا يستسلم بسهولة إلى توجيهات السوق الأدبية التي تفرضها قوائم التصنيف و الإستطلاع على الذائقة. إن ما يكون مكتباتنا هو الشغف و مغامرة المعرفة و متعة القراءة و ليس استطلاعات وسائل الإعلام و دراسات مؤسسات النشر و التسويق. و ربما كانت حريتنا في اختيار كتاب نقرأه هو آخر أشكال الحرية المتبقية لنا.
ناقد بريطاني. نشرت هذه المقالة في صحيفة الأوبزرفر الأسبوعية اللندنية.