تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الذائقة الأدبية في مواسم التسويق

ملحق ثقافي
24/3/2009م
روبرت ماكروم ترجمة: د. علي محمد سليمان

يبدأ الموسم الأدبي في كل عام بمجموعة من الفعاليات التمهيدية. إنتخاب لجان التحكيم لبعض الجوائز الأدبية، اليوم العالمي للكتاب، اختيار أفضل مسرحية،

اختيار أفضل رواية أمريكية و إعلان شركة أمازون عن كتبها الأكثر مبيعاً.. و غيرها من النشاطات.. في ثقافة التنافس و التسويق هذه، ما الذي يفسر إدماننا على قوائم التصنيف؟ هناك توافق بين العديد من كبار أدباء العالم و شريحة واسعة من القراء على أن تلك القوائم تعسفية و باهتة و لكن لا يمكن مقاومتها في ثقافة التسويق التي تسيطر على عالم الأدب المعاصر. و بالإضافة إلى ذلك، تبدو هذه اللعبة مناسبة بشكل كبير لفضاء الإنترنت النرجسي.‏

و لكن لماذا تحدث تلك القوائم كل ذلك الجدل في الأوساط الأدبية؟ من الواضح أنه في عالم الإعلام و الاتصالات المعاصرة توفر قوائم الأعمال الأدبية المختارة علامة من علامات التعدد اللا نهائي لتوافر المعلومات و خيارات القراءة المتاحة. لقد نشرت الأوبزرفر قبل أربعة أعوام قائمة بأعظم مائة رواية في تاريخ الإنسانية. و في العام الماضي نظمت الأوبزرفر و صحيفة نيويورك تايمز استطلاعاً لاستبيان رأي مجموعة كبيرة من أهم الأدباء المعاصرين حول أهم رواية كتبت باللغة الإنكليزية خلال ربع القرن الأخير و كانت النتيجة أنه لا يمكن الإجماع على جواب. لقد حمل ذلك الاستطلاع دلالات و علامات مرضية في الحياة الأدبية المعاصرة. و يبدو أنه من أهم تلك العلامات أننا في عصر العولمة الذي يفترض أننا فيه على تواصل دائم يزداد جهلنا و ابتعادنا عن بعض. لقد فقدنا إمكانية الإجماع و لم نعد قادرين على استعادتها. و يعود ذلك إلى تغير الطريقة التي نقرأ بها.‏

في سياق هذا المشهد المعقد و المتعدد ما الذي يحدد قيمة ما تصدره مؤسسات البحث و النشر من قوائم و استطلاعات لا تكف عن رصف أسماء الكتاب و الأعمال الأدبية في قوائم لا تكف بدورها عن التغير و الاختلاف و التناقض؟ كيف يمكن مثلاً الإجابة على هذا السؤال البسيط: ما هي أعظم عشرة أعمال أدبية في تاريخ الإنسانية؟ هل يمكن الاتفاق على جواب؟ لقد كان هذا السؤال موضوعاً لدراسة صدرت مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية من إعداد الناقد المعروف ج بيتر زاين. و دراسة زاين هذه تقوم على استبيان رأي 125 أديباً عالمياً معاصراً. و في قائمة الأعمال الأدبية العشرة الأعظم التي وصلت إليها هذه الدراسة احتلت آنا كارنينا لتولوستوي المرتبة الأولى.‏

من المؤكد أن قائمة زاين تعكس وجهة نظر ثقافية محددة، حيث لا يمكن تجاهل تأثير الوسط الثقافي الأمريكي في تحديد معايير الاستطلاع. و ليس مفاجأة أن مجموعة من أهم أدباء العالم رفضوا الإجابة على سؤال زاين و المشاركة في استطلاعه الذي وجدوه غير ذي جدوى. لقد امتنع عن المشاركة كل من كورماك مكارثي، توم ستوبارد، إيان ماكيوان، سلمان رشدي، ف س نيبول و مارتن اميس. و في الوقت نفسه استطاع زاين الحصول على مشاركة أدباء آخرين مثل لوري مور، آني برولكس، ، توم وولف، ستيفن كينغ و نادين جورديمر.‏

بيتر كاري، الحائز على جائزة بوكر للرواية مرتين، قدم إجابة على سؤال أعظم عشرة أعمال أدبية تضمنت نماذج كلاسيكية مثل تولوستوي، دوستويفسكي، ديكنز و بروست لكنه أضاف إلى إجابته ملاحظة تلخص الإشكالية في تكوين الذائقة الأدبية المعاصرة و العبثية في إصدار قوائم تحدد علاقة القارئ بالأدب. يقول كاري: “ليس هنا جيمس جويس أو ت س إليوت أو فرانز كافكا، رغم أنهم أبدعوا النهر الذي نسبح فيه.ليس هنا فولكنر، رغم أني أدين له إبداعياً بكل شيء. و ليس هنا تشيخوف، فأي قائمة هذه؟! العبقرية و القوائم لا يتفقان”. فعلاً إن النظر إلى الأدب من زاوية العبقرية يؤدي إلى صورة غير مكتملة. إن شكسبير عبقري، لكن بن جونسون و ملتون و دريدن رغم عظمتهم ليسوا عباقرة. و كولريدج عبقري، لكن ووردسورث ليس كذلك. و على طرفي الأطلسي، كل من إدغار آلان بو و ميلفيل عبقري ساهم في تغيير رؤيتنا للعالم، لكن قوائم التصنيف الأدبي لا تضمهما.‏

كم من الأدباء المعاصرين ينطبق عليهم وصف العبقري؟ ربما تتفق شريحة واسعة من القراء على عبقرية كتاب مثل ف س نيبول و هارولد بينتر. لكن الحقيقة المؤكدة أن كل ما نتفق عليه اليوم من تصنيفات و قوائم سيبدو مختلفاً بعد مائة عام و ستظهر على الدوام قوائم جديدة.‏

هل يمكن إدراك منطق ما يحكم الذائقة الأدبية المعاصرة؟ هل نحن في عصر ذهبي للقراءة؟ لم يحدث في التاريخ من قبل أن توفر عدد كبير من الكتب و الاصدارات كالذي يتوفر بسهولة في عصرنا. و لكن مع ازدياد التعدد و الانتشار تزداد صعوبة الإختيار. ماذا نختار و من أين نبدأ؟ هذه هي ورطة القارئ المعاصر، وفرة الخيارات و تحدي ممارسة الحرية الفردية في القراءة. تكمن المفارقة في أن القارئ الجدي لا يستسلم بسهولة إلى توجيهات السوق الأدبية التي تفرضها قوائم التصنيف و الإستطلاع على الذائقة. إن ما يكون مكتباتنا هو الشغف و مغامرة المعرفة و متعة القراءة و ليس استطلاعات وسائل الإعلام و دراسات مؤسسات النشر و التسويق. و ربما كانت حريتنا في اختيار كتاب نقرأه هو آخر أشكال الحرية المتبقية لنا.‏

ناقد بريطاني. نشرت هذه المقالة في صحيفة الأوبزرفر الأسبوعية اللندنية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية