وإلى تواصل الفرد ضمن إطار المجتمع وامتزاج النظر بالعمل، كون الفلسفة والفكر والثقافة ليست جدلاً مظلماً ولا كلامأ أجوف، الإنسان برؤيته للأشياء وفطرته قادر على التواصل ضمن الزمان والمكان، وأن يشق طريقة لنفسه وبنفسه إذ يخرج ذاك الإنسان متحضراً وقويماً يسعى في سبيل ارتقاء الإنسانية إلى مستويات عليا ودحض كل قوى الظلام أمامه.
“برتراند رسل” فيلسوف ورياضي وكاتب إنجليزي يعد أحد أعظم فلاسفة القرن العشرين حصل على جائزة نوبل عام 1950 وجائزة “سوننج” من جامعة “كوبنهاجن” عام 1960 وكان عضواً بارزاً ضد الحرب والامبريالية.
كتب أكثرما يزيد عن مائة كتاب والكثير من المقالات والرسائل الفلسفية وعلم النفس والإجتماع والسياسة والدين والأخلاق والجنس.
أراد “رسل” في كتابه “بحوث غير مألوفة” إيجاد علاقة بين الدين والفلسفة إذ يخرج بأفضل طريقة في الحياة ليمنح كلا المصطلحين طابعاً متميزاً، وبصورة أدق أراد أن يميز الناس كيف يعيشون وأن يربط فلسفته قدر الإمكان بالحوافز الأخلاقية بالنسبة لطبيعة الكون، فبرأيه أن البعض يقدرون الديمقراطية والآخرون الاوليغارشية وكل هذا في ضوء النتائج الإيجابية، والتي تتوافق بين الحاجات الإجتماعية وإلحاح الرغبات الفردية.
وفي حديثه عن مستقبل الجنس البشري ناقش “رسل” مستقبل البشرية في ظل النظام الذي نعاصره بأنه لايمكن أن يستمر أي من قطبين (الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية) إبان الحرب الباردة، وإذا لم تختر البشرية نظاماً واحداً تحت سقف حكومة واحدة فإن هذا الأمر سيؤدي إلى تدميرها آجلاً أم عاجلاًً، فالصراع الدامي بين روسيا والدول الغربية سيستمر إلى وقت حتى تمتلك روسيا ما يكفي من القنابل الذرية، وحتى يحين موعد الحرب وقتها ستتلاشى الدويلات الأوربية بما فيها بريطانيا العظمى، وإذا ظلت أمريكا وروسيا دولتين متحاربتين على قيد الحياة لابد أن تزول واحدة منها وتظل الثانية تحكم العالم.
وقد كان “رسل” محباً للسلام ورقيق الشعور وناشطاً سياسياً بارزاً وإنساني التوجه، وفي رأيه أن الفكر لاجدوى منه ما لم يكن في خدمة البشرية وسعادتها. وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى أصابت “رسل” موجة من الحزن والألم، وبدأ يفكر في مشكلات الإنسانية الاجتماعية والسياسية واتجه لكتابة المقالات وإلقاء محاضرات في كل مكان لينبه الرأي العام ضد سياسة الحروب، وأخذ موقفأ معاديأ آنذاك تجاه السياسة البريطانية لإنخراطها في الحرب العالمية الأولى عام 1915 وقتها أدانوه بتهمة الانهزامية والجبن والسلبية وأقالوه من منصبه في جامعة “كامبردج”، وعلى أثر هذا دخل السجن لمدة ستة أشهر بتهمة العصيان المدني، وعند خروجه من السجن وقع مع ألبرت آينشتاين بياناً ضد الأسلحة الذرية وترأس محكمة عالمية ضد جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الأمريكي في فيتنام، ووجه بقوة انتقادات شديدة ضد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي جانب آخر من بحثه أراد “رسل” للفلسفة أن تحقق ما أحرزه العالم والشيء الذي يميز فلسفته هي النزعة اللسانية، ويعد اللغة بمثابة المرشد لفهم العالم الخارجي والفكر الإنساني، وأنها بمثابة سلسلة تطورية إحداها يكمل الآخر.
وحسب المؤرخ “ويل ديوارنت” كان “رسل” مسرفاً في التفاؤل، حيث تحمل فلسفته الاجتماعية تصوفاً وغموضاً وعاطفة لا يطبق على نظرياته الإقتصادية والسياسية نفس التدقيق والإمعان في الفروض ونفس الشك في البديهيات.
ومن بين الأفكار التي آذت الإنسانية لخص الكاتب في كتابه سببين لمأسآة الإنسان الأول هي البيئة غير البشرية، والثاني هو الأذى الذي يصيب الإنسان من الآخرين، ولعل السبب الرئيسي هي البشرية نفسها، ذاهباً بقوله أن عدو الإنسان الآن هو الإنسان نفسه، والشرور الذي يرتكبها الناس بحق بعضهم البعض تصدر بصورة رئيسية عن العواطف الشريرة أكثر من صدورها من الأفكار والعقائد.
وهنا لا يسعنا إلا أن نقول أنه ترجم لـ”رسل” عدة كتب إلى العربية منها “تاريخ الفلسفة” و”حكمة الغرب” وكتاب يتألف من جزأين “عرض تاريخي للفلسفة الغربية” “وعرض أهم ملامح الفلسفية الحديثة والمعاصرة” للكاتب فؤاد زكريا وأيضاً “أثر العلم في المجتمع” وهذا الكتاب الأخير لـ” سمير عبده” ( بحوث غير مألوفة) صدر عن دار “التكوين” في دمشق.