ولكن (عوليس) جويس، ليست أسمى من (عوليس) هوميروس. و يخلص ساباتو إلى أن الفن لا يتقدم، والسبب أن الأحلام ذاتها لا تتقدم؛ ويسأل: «هل كوابيس عصرنا أفضل من كوابيس عصر يوسف التوراتي؟».
لوهلة، يمكن ألا يهتم أحدنا لهذا الرأي، ويمكن أيضاً أن يوافق عليه، من دون أن يصاب بأي أذى نفسي أو وجودي، أو أن يتهم صاحب الرأي (أي ساباتو) بأنه رجعي. ولكن ما معنى أننا لا نتقدم فنياً؟ أليس هذا مؤشراً على تقهقرنا وتراجعنا على المستوى الإنساني الكبير؟
دوستويفسكي وكيركيغارد ونيتشه، شاهدوا – ومنذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر– وشعروا بالأزمة العميقة التي ستقع فيها البشرية، الأزمة الروحية الهائلة التي ستحل بالإنسان. لم تذهلهم ولم يفرحوا بالآلات البخارية والتقدم العلمي، بل استطاعوا أن يروا ببصيرتهم هذا الضجيج والسعي المحموم نحو المادة، فرفضوه وتمردوا عليه، في محاولة منهم لتنبيه البشرية إلى الأخطار القادمة والكوارث المحدقة. وهؤلاء الثلاثة وغيرهم – مع كل معاناتهم – أطلق الآخرون عليهم لقب: المتشائمين.
المتشائم مثالي مستاء؛ هذا ما يقوله نيتشه. وهو، إذ يتشاءم، يريد فقط أن يعلن عن تمرده واستيائه من كل ما يجري في العالم بحق الإنسان: الفن في خطر، الإنسان في خطر، ولا شيء مهم بعد ذلك.
الفنان يحيا في الدفاع عن الإنسانية، في الدفاع عن الروح التي تميزه، في الدفاع عن الأحلام. الفنان هو المتمرد المرهف الذي تنفره كل الأشياء التي تسلبه حيويته وتقدمه وارتقاءه.
يذهب دانتي في أحلامه إلى الجحيم، ويدون زيارته ببراعة شديدة، وحين يعود وينشر كتابه، يجول في الشوارع كئيباً وحزيناً. يتهامس الناس ويشيرون إليه: «هذا هو الرجل الذي كان في الجحيم». ربما كانوا يهزؤون منه، ولكنهم لم يكونوا يدركون قيمة ذلك الألم الذي لاقاه في الجحيم، ولم يعرفوا أو يشعروا بتلك الروح الرهيفة وبأوجاعها وأمراضها.
هل يتقدم الفن فعلاً؟ لماذا لم ينتج القرن العشرون حالمين كباراً بحجم أسلافهم؟ هل انخفض سقف الأحلام فعلاً؟ ولماذا عندما نتذكر الأحلام العظيمة، تحضرنا أسماء مثل: المتنبي، المعري، شكسبير، كولريدج، نيتشه، دوستويفسكي... دانتي، وطائفة أخرى لا تنتمي إلى عصرنا؟؟