تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


في لوحات الفنان الراحل الفريد حتمل.. كثافــــــة لونيــــــــة مجبولـــــــــــة بتـــــــراب الأرض

ثقافة
الاثنين 9-2-2015
أديب مخزوم

منذ بداية انطلاقته الفنية في منتصف خمسينات القرن الماضي، كان طموح الفنان الراحل الفريد حتمل ( 1934- 1993 ) موجهاً لتسجيل لوحة محلية تؤكد ملامح إسقاط المشاعر الداخلية على المشهد المرسوم،

ولهذا أطلق العنان ليده لترسم بحرية وعفوية في محاولة للانفلات من معطيات التجارب التسجيلية والكلاسيكية والأكاديمية وتجاوز لونيتها الجامدة، والتأكيد على محاولات رصد اللونية المحلية والتركيز على إبراز المرأة الريفية أو مجموعة النساء الريفيات على مساحة الأرض (السهول والوديان التي أظهر من خلالها علاقة الإنسان بالأرض والريف) إضافة إلى رغبته الدائمة في العودة الى منابع الحنان عبر تصويره مواضيع الأمومة.‏

تعبيرية الشكل‏

وفي عودته للأرض والإنسان كان الفريد حتمل يبحث عن الإشارات الواقعية المختزلة والمبسطة، وكان يؤمن دائماً بضرورة وجود شكل من الواقع في اللوحة، ويحاول باستمرار تجاوز معطيات الفضاء الواقعي، من خلال إضافة أطر تساهم في تعبيرية الشكل، معتمداً على طريقة تركيب الطبقات أو اللطخات اللونية التي أتت في معظم الأحيان خشنة أو ناتئة، فكانت التجربة اللونية أساساً في صياغة لوحاته وقيمها التشكيلية والجمالية.‏

إن أهمية تجربة الفرد حتمل لا تعود لكونها عكست منذ بداياتها هواجس التغني بحب الأرض، ولا في أنها ساهمت في التحريض لإيجاد المنعطفات العفوية في التشكيل والتلوين فحسب، بل إلى جانب ذلك كله أنها ساهمت في إيجاد المناخ الذي كان يقام فيه كل يوم معرض فني أو أكثر، لتشكل في مجموعها الوجه الحقيقي المشرق للنهضة التشكيلية السورية الحديثة.‏

الفرد حتمل تعامل مع اللوحة كنغم لوني غنائي عبر ممارسة تجارب فنية طويلة، التقط من خلالها بعفوية تلقائية ألوان الأرض السورية، التي أحبها ورفض هجرتها، حيث بقيت مطبوعة في مخيلته وظاهرة في لوحاته حتى لحظة رحيله.‏

حالة توفيقية‏

ولهذا كان يعيد تسجيل ما في الذاكرة والقلب من إشارات ورموز وأضواء ليعكس من خلالها ألوان الأرض السورية، وكان يتبع أسلوب الرسم من منظور أفقي أعلى من خط الأرض للوصول إلى حالة توفيقية ما بين التعبيرية والانفلات التجريدي، فهو لم يرسم الواقع بحذافيره وإنما جسد صداه في نفسه عبر تأكيدات اللمسات الخشنة والانفعالية المباشرة، التي جاءت جميعها كرمز للإحساس بألوان الطبيعة المحلية وانفتاح العين على الاتجاهات الفنية الريادية الحديثة والمعاصرة.‏

واللون الذي كان يضعه في المشهد، ليس هو بالتأكيد اللون القادم من رؤية العالم الطبيعي، إنه اللون المستعاد من الذاكرة، والذي يبدو كما لو أنه مجبول بتراب الأرض في حقول الوطن، إنه رمز لإشارات ريفية أو قروية أو لمجموعة أشياء متراكمة في مخزون الذاكرة البصرية، إنه حالة تشير إلى ارتباطه الدائم بالأرض ومناخات الريف.‏

وعلى هذا نجد في لوحاته اهتماماً مكثفاً بتلقائية الألوان وغنائيتها المنسجمة مع ألوان الأرض السورية، وهي تظهر ذوقاً ومهارة في آن، حيث كان دائماً يبتعد عن تصويرية الشكل الواقعي، ويسعى لإضفاء الذات الفنية عبر اللمسات اللونية الكثيفة والمباشرة والتي تبرز كإيقاعات انفعالية وتعبيرية تعكس توترات وانفجارات انفعالات الداخل، ضمن رؤية بصرية تتراوح ما بين الواقعية والتعبيرية والتجريدية أو تمزج بين هذه الاتجاهات التي حاول من خلالها الإمساك بالفرح المنطبع في ألوان الأرض.‏

facebook.com/adib.makhzoum‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية