قذائف عشوائية ونتائج عكسية
متابعات سياسية الثلاثاء10-2-2015 حسن احمد حسن كثيرة هي المصطلحات والعناوين التي يمكن أن يندرج تحتها الإرهاب المسعور الذي استهدف دمشق بالقذائف العشوائية لتعطيل دورة الحياة اليومية وإيصال رسائل مشوهة لجهات عدة، فقد يندرج تحت عنوان الانتقام من الشعب السوري بعامة، ومن أهل أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ بخاصة، أو تحت عنوان: القتال العبثي، أو تصدير الموت العشوائي، أو إفلاس المأزومين وتصعيد الخائبين، أو البيعة من بعيد للملك الوهابي للجديد أو أي تسمية أخرى مشابهة، لكن في جميع الأحوال لا يمكن تصنيفه تحت أي عنوان له علاقة بالتكتيك العسكري، بما في ذلك حرب العصابات وحرب الشوارع، لأنه لا توجد أهداف محددة بشرية أو مادية لتلك القذائف العشوائية والصواريخ التي تزامنت مع بداية توجه الطلاب والموظفين إلى المدارس وأماكن العمل، وإنما المستهدف هو كل من يمشي في شوارع دمشق مدنياً كان أم عسكرياً، فضلاً عن كل مظاهر الحياة، مع اليقين المطلق بالعجز التام عن تحقيق أي منجز يمكن البناء عليه جراء إرهاب مفضوح المقدمات والنتائج، وهذا يدفعنا للتوقف عند دلالات هذا الإجرام الموصوف، والأهداف الكامنة التي أراد مشغلو الإرهاب ورعاته تحقيقها، ومن الطبيعي أن تتضمن هذه الوقفة الدلالات الزمانية والتداعيات الميدانية القائمة على أرض الواقع وعلى امتداد الجغرافيا السورية وليس في منطقة الغوطة فقط.
إن الواقع المأزوم الذي تعيشه عصابات القتل والإجرام بجميع تسمياتها وعلى امتداد جغرافية الوطن السوري تؤكد أن الشريحة التي أرادوها بيئة حاضنة للإرهاب التكفيري قد تحولت بغالبيتها الساحقة إلى بيئة نابذة بالضرورة جراء الجرائم التي ترتكبها عصابات القتل والاغتصاب والمتاجرة بأقوات الناس وكراماتهم، وهذا ما دفع أولئك الذين صودرت إرادتهم تحت وطأة سيف الإرهاب وترويع زبانيته إلى تحدي القتلة المجرمين والانتصار على الخوف ومواجهة رصاص وإجرام العصابات الإرهابية بالصدور والهتافات المطالبة بخروج المسلحين وترك الناس يعيشون بأمان الله وفي كنف الدولة التي بقيت تؤكد بالأفعال قبل الأقوال بأنها الحضن الدافئ والأم التي لا تبخل على أحد من أبنائها حتى وإن كان عاقاً في يوم ما، وقد تصاعدت هذه الظاهرة في الأسابيع الأخيرة وبخاصة في الغوطة الشرقية، وتزامن ذلك مع مساعدة ميدانية مباشرة قدمها الجيش لآلاف المدنيين الذين تمكنوا من الخروج، وتم العمل على نقلهم وتأمينهم في مراكز إيواء تنزل عن كاهلهم بعض الأعباء الكارثية التي كان يفرضها واقع العيش في أماكن تسيطر عليها العصابات الإرهابية المنتشرة في تلك المنطقة، وقد شملت الأعداد التي غادرت دوما وغيرها من بلدات الغوطة الشرقية مئات المسلحين الذين كانوا يعملون ضمن العصابات التي أطلقت قذائف حقدها وصواريخ انتقامها على دمشق وسكانها المتمسكين بأهداب الانتماء للوطن والاستعداد للتضحية في سبيل عزته وكرامته، فضلاً عن الاقتتال البيني الذي غدا ظاهرة تحكم العلاقة بين المسميات المختلفة للإرهابيين للتفرد بالنفوذ والسيطرة وفرض الأتاوات على المدنيين الذين لم يتمكنوا من مغادرة هذه المنطقة أو تلك وغدوا بشكل أو بآخر دروعا بشرية يستخدمها المسلحون الإرهابيون، وها هم يعيدون استخدامها بشكل آخر عبر استهداف المناطق السكنية والأحياء الآمنة بقذائف عشوائية تزهق أرواح الأبرياء، ولا تفرق بين طفل وشيخ وامرأة وعابر سبيل.
الأمر الآخر الذي يستحق التوقف عنده في هذا السياق هو تزامن التهديدات التي أطلقها الإرهابيون باستهداف دمشق وسكانها مع عمليات قصف عشوائية لمدن أخرى بقذائف الهاون وغيرها من القذائف الصاروخية المتنوعة كما هو الحال في حلب واللاذقية حيث كان التشابه الكبير في أداء العصابات الإرهابية، وهذا يقود إلى القول بأن التضليل الممنهج قد يكون أحد العناوين التي تحكم وتتحكم بأداء تلك العصابات المسلحة، وهذا يؤكد أن المشغل واحد والأهداف تتقاطع عند دائرة خدمة مصالح الكيان الصهيوني ومن يدعم ذاك الكيان، فمرتزقة أمراء الوهابية الإرهابية قدموا بإرهابهم هذا بيعتهم للحاكم الجديد في الرياض، وصبيان أردوغان حاولوا الانتقام لراعيهم ومشغلهم الذي صرح بدخوله دمشق عنوة والصلاة في الجامع الأموي منذ أكثر من ثلاث سنوات، وللتعويض عن العجز المركب طالت بعض تلك القذائف العشوائية المسجد الأموي بشكل مباشر، لعل أردوغان ينفس بذلك عن عجزه المركب أو يرى فيه شكلاً جديداً للصلاة التي يريد عبر إرهابييه تعميمها في المنطقة، ومن الجدير بالذكر هنا أن كل ذلك يندرج في إطار الأهداف الكامنة وراء هذا التصعيد الإرهابي الجديد، ومن بين تلك الأهداف المستترة أيضاً محاولة حرف الأنظار عن تحشد وتجميع أكبر عدد ممكن من القتلة المأجورين في المنطقة الجنوبية على الحدود مع فلسطين المحتلة والأراضي الأردنية التي أقيمت عليها معسكرات تدريب تلك العصابات بإشراف الموساد والاستخبارات الأمريكية والأطلسية، ولا يستبعد أن تكون النخوة المفتعلة التي صبغت الخطاب الرسمي الأردني بعد إقدام داعش على إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة جزءاً من عدة النصب والاحتيال الهادفة إلى التغطية على الاتجاهات الأكثر خطورة لتحرك تلك العصابات المأجورة، وبكلام آخر قد يكون استهداف دمشق بالقذائف العبثية والعشوائية ليس أكثر من قنابل دخانية لحجب الرؤية عن نحريك تلك العصابات بإشراف إسرائيلي مباشر وفق ما يصدر عن غرف العمليات المشتركة التي تشرف على عمل تلك العصابات الإرهابية وتقودها ميدانيا بما يخدم المصالح المباشرة للكيان الصهيوني.
يبقى السؤال الأهم الذي قد يخطر على ذهن كل مواطن سوري، وكل مهتم بتداعيات الأحداث في هذه المنطقة الجيواستراتيجية من العالم: ما الذي حققته القذائف العشوائية التي استهدفت تعميم الموت العبثي والترويع المطلوب لتعطيل دورة الحياة الطبيعية في دمشق أو غيرها من المدن السورية؟ والجواب الموضوعي والطبيعي هو إخفاق جديد يضاف إلى الإخفاقات المتراكمة التي تقض مضاجع الإرهابيين ومشغليهم بآن معاً، فلا هم استطاعوا وقف الانهيارات في صفوف ما تبقى من تلك العصابات المأجورة في الغوطة الشرقية، لا بل إن تقدم الجيش في جوبر وعربين قد ازدادت وتيرته، كما تضاعفت خسائرهم في بقية أماكن وجودهم عبر تدمير المزيد من مقراتهم واستهداف محاور تحركاتهم في دوما وحرستا وزملكا وبقية بلدات الغوطة الشرقية، ولا هم تمكنوا من النيل من إرادة المواطن السوري التي لم تثلم، ولم تتأثر قط، فالحياة بقيت مستمرة وتحدي إرهاب أولئك تجلى بوضوح لدى الجميع بالإصرار على التوجه إلى أماكن العمل وضمان استمرارية تدفق الدماء الوطنية في شرايين العاصمة وبقية المدن السورية، انطلاقا من القناعة التامة بأن الأعمار محدودة وهي بيد الله لا بيد أي مخلوق كان، وشتان بين ميتة العز والكرامة والارتقاء إلى مرتبة الشهداء وبين أية ميتة أخرى، وإذا كان هناك من ما يزال يراهن على إنجاز ما يمكن البناء عليه عبر قصف المدن الآمنة والأحياء السكنية فعليه إعادة حساباته الخاطئة والخائبة بآن معاً، فالحل السوري الذي ينشده السوريون لا تنقطع سكة قطاره بقذيفة من هنا أوعبوة ناسفة من هناك، ولا تؤثر في ديناميته رسائل مفضوحة المضمون والأهداف قد يوجهها هذا الفصيل الإرهابي أو غيره، فجميع من يحمل السلاح ضد الدولة يندرج في إطار الإرهاب الذي صمم السوريون على مواجهته والقضاء عليه أينما كان وعلى امتداد جغرافية الوطن.
|