|
عـن البسـاطة والعفويــة وملحقاتهـمـا في الإبداع.. ثقافة تقول المعاجم و«العفوية» على ما تجمع عليه المعاجم تقريباً هي: «عَفَوِيَّةُ عَمَلٍ: تِلْقَائِيَّتُهُ» و«تلقائيّ، ما نقوم به بدافع ذاتيّ بدون تأثير خارجيّ، غير مكتسب بالتَّعليم، و«عَفْو الخاطر: تلقائيًّا، ارتجالاً، دون إعداد..» وتُكثر المعاجم أيضاً من التوضيح في أمر «العفوية» فثمة «إجابةٌ عَفْويَّة، هزَّ رأسَه عَفْويًّا، ردّ فعلِ / تصرُّفٌ عَفْويّ. عَمَلٌ عَفْوِيٌّ: تِلْقَائِيٌّ، أَيْ دُونَ إِعْمَالِ الفِكْرِ: إِشَارَةٌ عَفْوِيَّةٌ: حَرَكَةٌ عَفْوِيَّةٌ..» ومن إجابة المعاجم لمعنى العفوية تؤكد جميعها أنها أبعد ما تكون عن النص الإبداعي الحقيقي، فالمبدع الحق لا يكتب عفوياً، بل بوعي وبمخطط مسبق، وبإعمال أقصى ما يمكن للفكر، ومعظم النتاجات الإبداعية هي بدافع ذاتي وبتأثير خارجي، أي دائماً ثمة باعث للإبداع غالباً هو خارجي مع توفر الإرادة الذاتية للعطاء الإبداعي، الأمر الذي يتنافى تماماً مع مصطلح «العفوية» حسبما ترى المعاجم. ربما هنا المقصود بالإبداع الذي يأتي على سجيته حيث تنتقل المشاعر والكلمات بعفوية إلى الآخرين من دون حواجز التصنع التي تشوه جمالية المشاعر، أي ذلك النص الذي يوحي بالعفوية، أقول يوحي فقط، وليس أكثر من ذلك، وهنا قد تكون «اللعبة» الإبداعية أي الكامنة في هذا الإيحاء. التباس العفوية اليوم ثمة التباس فيما يخص «العفوية» التي لاأراها تنسجم مع التقيد بأسس ومقومات الإبداع، وفي كل الأحوال لا أؤمن بـ «عفوية» في أي نوعٍ أدبي، هنا يكمن ثمة إشكال قد يوقع بالمتلقي، فما يسميه البعض «عفوية» ربما نظر إليه آخرون على أنه بـ «السهل الممتنع» كما أطلق عليه النقاد ذات حين من الدهر - وهذا الأخير من جملة المصطلحات التي هي من الذخيرة الحية للناقد المعاصر - سواء جاء ذلك في قصيدة، أم في قصة قصيرة، وحتى في لوحة تشكيلية، وفي مختلف فنون القول، والإبداع بعامة. ثمة عدة أمور قد تحاكي العفوية في النص الإبداعي وهي: الابتعاد ما استطاع المبدع إلى ذلك سبيلا عن الإنشاء والمباشرة، وفي المقابل الابتعاد قدر الإمكان عن الذهنية والغموض، والتغميض، ومن ثم الاقتراب قدر المستطاع صوب «السهل الممتنع» أو إبداع البساطة إن شئت، الذي يُقارب العفوية، أو يوحي بها. وعدة المبدع في كل ذلك الموهبة التي تصقلها الثقافة، وهذه حقيقة واقعة في مختلف فنون الإبداع وليس الشعر والقصة وحسب، فالموهبة وحدها تأتي بالإبداع -غالباً - لمرة واحدة، أو مرة واحدة بنسخ كثيرة ومكررة، وهذا ما لاحظناه عند الكثير من المبدعين الذين خذلتهم الموهبة العارية من الثقافة في الكثير من محطات عمرهم الطويل، الأمر الذي جعلنا نتمنى عليهم لو اكتفوا بنتاجهم الأول الذي وضعوا فيه كامل زخم الموهبة دفعة واحدة، ولمرة واحدة، وهذا ما لم نجده عند مبدع موهوب ومثقف بحجم مفكر كأدونيس، الذي بلغ من العمر عتياً، ولايزال في كل مرة يذهلنا بكل جديد يقدمه.. الموهبة العارية الطفولة هي بداية تلمس الخبرة، ثمة فنانون عفويون، يقدمون أعمالاً بسذاجة وببساطة وهم كانوا ذات حين كثراً في أغلب مناطق المجتمع السوري، وبتقدير - الفنان والناقد التشكيلي طلال معلا كما ذكر لي - فإنّ العفوية والفطرية والطفولية التي تصدر عن فنان حرّيف، هي نوع من الكذب، أما الفنان الذي يقدم أعمالاً من عمقه الساذج بالأساس، فهذا ليس عيباً، أو أنه فنان لم يلم جيداً بالخبرات الفنية كما يجب. هناك جانب علمي في الأمر طالما أنني أنتج بناء على خبرة، فثمة أمور تقنية لاتأتي بشكلٍ عفوي، ثمة صراع بين الأكاديمية والفن الفطري، هذه حقيقة، الأمر الذي قتل الكثير من الفنون الفطرية، وتهميش الكثير من الفنانين الفطريين. ويضيف معلا: في المجتمعات وفي عمقها كان ثمة الكثير مما كان يُرسم فطرياً على جدران المنازل من أساطير وحكايا، قدمت على أنها معالم فنية في بيوت الكثيرين، وطالما تساءلت عن لوحة «فاطمة المغربية» التي تحولت كحالة جمعية لتحتل جدران الكثير من البيوت، ثم لوحة الطفل الباكي، الذي تحوّل إلى «الطفلة الباكية» فما الذي يحرّك مشاعر الناس لتستجيب بشكل محدد تجاه معالم جمالية معينة، الفن الطفولي والفطري هو ما ينتجه المجتمع في بداية تلمسه معارف alraee67@gmail.com">معينة. alraee67@gmail.com
|