تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هـــــــل أرفـــــــــــع صوتـــــــــــي.. أم أرفــــــــع ســــــــــيفي..؟

ثقافة
الخميس 23-10-2014
سوزان إبراهيم

في زمن السيف هل ينفع رفع الصوت!

قالها الحلاج أمام مأساته: (هَبْنِي اخترت لنفسي، ماذا أختار؟ هل أرفع صوتي أم أرفع سيفي؟ ماذا أختار؟)‏

أما شاعر إيران الشهير «سهراب» فقال: (ليس مهماً أين أنا الآن.. السماء دوماً لي.. النوافذ، الأفكار، الهواء، الحب، الأرض، كلها لي)‏

فمتى يكون وقت الحلم بالنوافذ والشرفات والتحليق قريباً جداً من السماء والسيف يقطر دماً؟‏

هل ثمة وقت للأفكار والحب في زمن قتل الأفكار والحب وتمزيق الأرض؟!‏

وحدهم» الأطفال الصغار يرون أحلاماً كبيرة» هكذا رأى رسول حمزاتوف.. فهل بقي وقت لحلم الأطفال في زمن السيف؟!‏

لماذا نُحشر في زاوية خيارٍ صعبٍ معكوس غالباً: رفعُ السيف في زمن الصوت.. ورفعُ الصوت في زمن السيف! من يقرر زمن كل منهما ومن يضع القواعد ويرسم الخطا!‏

بين صاحب السيف وصاحب الصوت لطالما كان الصراع حاداً ودموياً ومعتماً.. هل نذكر الحلاج.. أم السهروردي.. أم......إلى آخر القائمة الطويلة من أصحاب الصوت القادم من منطقة العقل والتنوير؟!‏

لطالما كان صاحب السيف أسرع من صاحب الصوت.. هو يتوجس من الصوت.. ربما لا يطيقه إلا مادحاً أو مؤرخاً بطولات السيف!‏

لكن المفارقة الأكثر تفاؤلاً تؤكد: لطالما كان صاحب السيف أسرع.. لكن لطالما كان صاحب الصوت أبقى وأكثر تأثيراً في ضمير الناس والتاريخ كذلك.‏

الصوت يأتي من منطقة المحاكمة العقلية.. أما رفع السيف فيأتي من المنطقة الأشد قسوة وضعفاً وأقلها عقلاً وفكراً.. من منطقة الأنا الأكثر أذى والأقل تشاركية مع الآخر.. ومن منطقة البث الأضعف للحكمة والهدوء.‏

الصوت يتردد على موجات عدة يعلو ويهبط.. يغني أو يغرد.. يصدح طرباً أو شعراً.. يقول فكراً أو يعترف بالحب.. أو يتشارك مع آخر ليزداد الصوت نغمة أو نغمات أخرى.. فكيف للسيف أن يكون على تنوعٍ وهو يبث على تردد واحد فقط.. تردد القتل!‏

حين يندفع السيف يتراجع الصوت فهو بحكم عقلانيته وخبرته يعلم أن لا مجال له الآن على أرض المعركة.. وهو لا ينازل على أرض السيف.. فالسيف أسرع إلى الحناجر من سرعة الحناجر في إيقاف السيف المطعّم بالدم وشهوة القتل.‏

ستبوء محاولات الصوت مهما كانت مخلصة في مواجهة عنف السيف.. هي ساحة صراع غير متكافئ في الأساليب والأدوات والأهداف.. مع أن حكمة التاريخ تقول وبكل تأكيد: سيتراجع السيف مهما طال الوقت وسيترك الساحة لأصحاب الصوت العاقل الهادئ الحكيم لأن الحلول النهائية تأتي على طاولة تجتمع حولها الأصوات لا السيوف لأن هذه الأخيرة لا تعرف درباً إلى المنازلة إلا خوضاً في الدماء!‏

كما تؤكد حكمة التاريخ تراجع السيف أمام الصوت في نهاية المطاف, فإنها تؤكد كذلك أن أحلام الأطفال وحدها هي الصمغ القوي القادر على رتق ما تمزق وما تشوّه وما اغتيل بسيوف الغضب.‏

ما الذي يريده كل من السيف والصوت في صراعهما؟‏

هل ينشدان التغيير؟ نعم ربما كان هذا هو الهدف النهائي لكل منهما..لكن.. كلٌّ حسب وجهة نظر مختلفة وطرق مختلفة جداً.‏

على موجة أخرى مختلفة في الشكل, لكنها تصل إلى نتيجة مماثلة يبث غرامشي تعريفه للثقافة باعتبارها أداة للتغيير. يرى غرامشي أن المجتمع المدني- ويعني به ذلك «الفضاء الطافح بالأحزاب والنقابات والمؤسسات والصحافة والجمعيات، أي العالم الثقافي والأيديولوجي الذي تتبلور فيه الرؤى والتوجهات» وبكلمات أخرى إنه كل الوسائل التي تتيح للصوت أن يعمل ويعلو ويقول!- إذاً يرى غرامشي أن المجتمع المدني هو الأقدر كنسيج اجتماعي على إحداث التغيير بوساطة عملية سياسية ثقافية متأنية.‏

خلاصة ما توصل إليه ذلك الفيلسوف هو معارضته لمفهوم السيطرة القائم على القوة والمناداة بمفهوم الهيمنة القائم على الإقناع.‏

يقف المثقف الحقيقي إلى جانب الصوت الذي يمثل واقعياً الفئة الأكثر تأثيراً في المجتمع فيما لو أتيح لها التعبير عن نفسها وطموحاتها وأفكارها, بينما ينبذ ذلك المثقف السيف وأصحابه ممن يسرعون إلى التغيير بإحداث شرخ عميق نازف لا يمكن له أن يلتئم يوماً إلا بالرجوع الواثق والمؤمن بقدرة أصحاب الصوت الحكيم على المعالجة.‏

suzan_ib@yahoo.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية