تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


“غائب عنا.. حاضر فينا”

معاً على الطريق
الخميس 23-10-2014
لينا كيلاني

للشعوب ذاكرتها الجمعية ولاسيما إذا كانت موغلة في القدم.. وأدب كل شعب هو لاشك مرتبط بالبيئة وكذلك بالعقلية التي تحكم هذا الشعب، هذا الى جانب العادات القديمة الموروثة، وأنماط الحياة فيها..

ففي بلاد الثلوج والانفراد نجد الأدب الشعبي يحث على الإقدام والمغامرة، والصبر على قسوة الطبيعة، وتعاطف الناس مع بعضهم بعضاً مهما كانوا في زمر صغيرة. والقصص في مناطق الجفاف من العالم ترتكز على التجمعات البشرية على شكل قبائل، وتهدف الى التوسل للطبيعة والدعاء للمطر، والاهتمام بالمواشي والعطف عليها، واستخراج خيرات الأرض، حتى وصل الأمر ببعض الأقوام في العهود الأولى الى درجة عبادة هذه الظواهر الطبيعية. وفي بلاد الزلازل والبراكين يتسم الأدب الشعبي بالحذر والخوف من المجهول، ومضاعفة جهود الإنسان فيها لمواجهة الصعاب. أما البلاد التي تفصلها الصحارى كالبلاد العربية، وتبتعد فيها التجمعات البشرية واحدة عن الأخرى فإنها تشجع على قصص الفروسية، والقوة الجسدية، والشجاعة، والكرم، وإغاثة الملهوف، الخ..‏

لكن الانفتاح بين الشعوب الآن، وتواصل الحضارات، وتطور وسائل التواصل والاتصال جعل الباب مفتوحاً أمام جميع الثقافات ليتعرف بعضها الى بعض بشكل أوسع وأعمق.‏

فالقصص الشعبي من أمم أخرى يترك في النفس متعة مزدوجة لأن فيها الغريب والمجهول، الى جانب المعلومة والمعرفة، وخيال من نوع جديد، واطلاع على أمور لا يراها المرء فيما حوله، إلا أن هذا يجب ألا يطغى على حساب القص المحلي الذي يتعلق بالجذور فلا يكون ما هو دخيل على حساب ما هو أصيل لأنه لا يتناسب مع متطلبات الخطاب الواقعي.‏

الأدب الشعبي نبع غزير لكل أمة من الأمم، وأدبنا الشعبي يتمتع بالغنى، والثراء، وبالعمق أيضاً، فهو بحر واسع لا قرار له، ومرتبط بالبيئة، والمناخ، وهو من أسس طوابع الشخصية، ومن الممكن جداً تبسيطه، وإعطاؤه رؤية معاصرة، أو إعطاؤه بعض الرموز المعاصرة والدلالات التي تنسجم مع الوقت الحاضر.‏

وهذا الأدب أيضاً مجال رحب لإدخال القيم المعاصرة اليه حتى كأنها من نسيجه الأصلي، وكذلك نفي بعض القيم الأحادية التي تتجاهل ما عداها من القيم، إذ لا يكفي مثلاً أن تؤكد قصة ما على الشجاعة اذا كانت هذه الشجاعة مرادفة للقتل غير المشروع، أو للعنف، وربما تتناقض مع مبادئ الإنسانية التي ننادي بها في هذا الزمن. وما معنى أن نورد قصة ونجعل فيها الزنوج مثلاً تحت اسم العبيد بينما نحن في زمن نحاول أن نمحو فيه وصمة العار عن الانسانية وهي العنصرية؟ يمكن ببساطة أن نغير المفهوم أو مدلول الكلمة.‏

والموروث الشعبي في الأدب والقصص ليس تراثاً فقط، ولا هو ملحق بالفلكلور بل هو نسغ يجري في عروق كل أمة، ولا يمكن تجاهله أو تجاهل تأثيره، وما على الكتّاب إلا أن يطوعوا هذا الموروث لا أن يحنطوه أو ينسوه بين طيات الكتب.‏

وهذه الناحية تبدو بنوع من المسؤولية مهمة أمام أمواج العصر التي تفرض حضارتها أسلوباً معيناً للحياة، كما تفرز أناساً متشابهين في بقاع الأرض من حيث أنماط معيشتهم، وسبل حياتهم، وحتى في ألبستهم، ومظاهر تسليتهم، وربما تعليمهم أيضاً، ذلك لأن لكل شعب ذاكرته الجمعية، وخصائصه التي يتميز بها عن شعب آخر، ولا يمكن إذابة المجتمع الإنساني في بوتقة واحدة، وبالتالي خلق ملامح حضارية واحدة لأن التيارات في هذا المحيط الواسع ذات التأثير هي التي تتفاعل في الأعماق وليست تلك التي تطفو على السطح.‏

كل ما نريده لمجتمعاتنا العربية هو أن تظل متمتعة بهويتها، وبطابعها الخاص بها وبالمرونة الكافية التي تجعلها تتلاءم مع العصر دون أن تتخلف عنه، أو أن تذوب فيه.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية