وقد تم ذلك في أحد مقرات الاستخبارات الرئيسة بالعاصمة المصرية، القاهرة، الأمر الذي لم يكن ليتسنى اعداده لولا الضعف الذي أخذ مساره واستشرى لدى الجانبين الفلسطينيين اللذين تجاوزا مناقشة العديد من القضايا المثيرة للجدل والنزاع بينهما، لأن رغبة كل منهما انصبت على ألا يبدو بالطرف المعرقل لعقد هذا الاتفاق.
يبدو بأنه لم يعد لدى الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية إلا حيز ضيق للتعبير في هذه الأيام عن تطلعاته ورغباته بحرية، تلك التطلعات التي تقلصت عما كانت عليه قبل 40 عاما عندما قام بتحركات في كل من عمان وبيروت وتونس، حيث كانت الفصائل الفلسطينية تنتقل من عاصمة إلى أخرى كي تتجنب في ذلك الارتباط والاملاءات التي يمكن أن تتلقاها من قوة واحدة. لكن الحرب التي نفذت على العراق عام 2003 والنزاعات القائمة في الدول العربية منذ نشوب ما يسمى «حركات الربيع العربي» عام 2011 أدت إلى إبعاد القضية الفلسطينية عن قمة قائمة الاهتمام العربي والدولي.
وإزاء هذا الواقع، عُزلت حماس التي تعرضت لعقوبات جزائية ولم يعد لها من حلفاء إقليميين، الأمر الذي جعلها تسعى لتوسيع دورها في الضفة الغربية عن طريق اتفاق يمكن أن يحقق لها ما تبتغيه، ولعل ذلك يمكنها من لعب دور أكبر مما حصلت عليه عام 2007 عند إلحاقها الهزيمة بفتح في الانتخابات، حيث تعرضت للإدانة واعتبارها «حركة إرهابية» من قبل إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
منذ ذلك الحين يعيش سائر الفلسطينيين في غزة تحت وطأة ظروف قاسية تحاكي الحصار الشامل، وذلك نتيجة تعرضها لحصار اقتصادي خانق فرضته إسرائيل التي توقفت عن امدادها بالكهرباء والمياه الصالحة للشرب، الامر الذي أدى إلى توقف في النشاطات الاقتصادية والخدمية مما قاد إلى اعتماد 80% من السكان على ما يتلقونه من المساعدات الدولية.
في ضوء الظروف القائمة على غزة، فإنه من المسلم به بأن إحداث أي تغيير سيكون نحو الافضل، على الرغم من أن التجربة الفلسطينية على مدى قرن من الزمن لم تؤكد هذا الاعتقاد. لكن، ومع ذلك، فإن الفلسطينيين داخل غزة سيحدوهم الأمل في الوصول إلى العالم الخارجي عبر معبر رفح الواقع على الحدود مع مصر. بيد أنه لا تزال هناك قضايا ذات أهمية لم يتم تسويتها في الاتفاق وتتمثل بالدور المستقبلي الذي يمكن أن يضطلع به حوالي 25000 مقاتل من حماس، الأمر الذي يعطي الانطباع بأن كلا من حماس وفتح لا يرغب بالتخلي عن السلطة.
في هذا السياق، نذكر بأنه سبق لإسرائيل أن استنكرت الاتفاق السابق الذي تم التوصل إليه عام 2011 ولم يجر تطبيقه على أرض الواقع. لكن الصفقة الحالية ربما تلقى فرصة أفضل من سابقتها نظرا لما حظيت به من دعم دول متعددة كالولايات المتحدة الأميركية، ومصر، والمملكة العربية السعودية والامارات وذلك وفقا لما ذكرته تقارير أصدرتها إسرائيل.
لا ريب بأن ما يسمى بعملية السلام قد فشلت وكان ذلك بشكل رئيس جراء اختلال توازن القوى بين إسرائيل والفلسطينيين الذي كان بشكل حاسم لصالح إسرائيل التي لم تخضع لأي ضغوطات يمكن عن طريقها إجراء تسويات مناسبة. ولا شك بأن النفوذ الإسرائيلي في واشنطن قد أخذ بالتزايد على نحو ملحوظ منذ أن تسلم الرئيس ترامب زمام السلطة في الولايات المتحدة، حيث عمد مؤخرا إلى الإعلان عن انسحاب أميركا من المنظمة الدولية للعلوم والتربية والثقافة (اليونيسكو) بذريعة انحيازها ضد إسرائيل.
لا يسعنا في نهاية المطاف إلا القول أنه بالنسبة لسكان غزة فأي تخفيف للحصار الذي يخضعون له سيعتبرونه خبرا سعيدا وجيدا بالنسبة لهم، لكن الشكوك تنتابهم نتيجة التصريحات المعلنة حول الوحدة والتعاون بين جانبين لديهما الكثير من القضايا المتنازع عليها. وفضلا عن ذلك فهم على علم وقناعة تامتين بأنه على الرغم من الاتفاق المنعقد سيبقون تحت رحمة إسرائيل وقوى خارجية. ذلك لأن الأحداث القائمة في كل من سورية ومصر التي بدأت عام 2011 تركت الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية في حالة من الضعف فاقت ما مروا به في السابق. لذلك يسود التوجس والخوف من أن لا تفضي الصفقة الأخيرة المبرمة في مصر إلى إحداث أي تغيير على أرض الواقع.