ربما سأكون على طرفي النقيض تماما، فلست متفائلا، ولا أغرق في التشاؤم، فأنا المتشائل، ولكنني سأقول: إنني أقرب إلى الاحباط في المشهد الثقافي السوري، كله برمته، بعجره وبجره، لم أقتنع للحظة هذه أن ثمة يدا حقيقية قد امتدت لتفعل شيئا ذا قيمة، المشهد مؤلم ومرّ وقاس ويكاد يجعلنا نصرخ: لماذا هذا الجحود، منشآت ومشيدات وبنى حقيقية لفعل ثقافي, ولكن، خمسمئة مركز ثقافي سوري على امتداد الجغرافيا السورية، وبكل مركز محافظة قصر للثقافة ومسرح ومديرية ثقافة، ناهيك عن بنى أخرى, فروع ومراكز لبيع المطبوعات، فروع اتحاد كتاب، وغير ذلك، جامعات ومعاهد، والمشهد يبكي الجن لو سمعوا به؟
هل العلة في الثقافة السورية نفسها، هل هذا المشهد امتداد لجذور عقيمة، هل نحن ميراث قحط أدبي وابداعي ؟ اليس من حقنا أن نطرح الاسئلة المرة هذه، ولتكن الصراحة معيارنا ليس من باب جلد الذات، لا، إنما من أجل تجاوز مشهد لايسر الخاطر، هل سنقول: إن ميراث ابي ريشة وبدوي الجبل ونزار قباني والماغوط وممدوح عدوان، وسليمان العيسى، والفراتي والعجيلي، وغيرهم في الأدب والفن والمسرح، وألوان الفنون الأخرى، هل سنقول إننا امتداد لهم أو أنهم كانوا جذورا عقيمة أنتجتنا؟
بالتأكيد سيرد أحد ما تغيرت الأحوال والوقائع وهذا صحيح، ولكن على ما يبدو أن الأحوال والوقائع تتغير عندنا فقط، يزدهر الفعل الابداعي والثقافي في العالم كله على الرغم من كل ما يمر به من تحولات، نحن وحدنا وبقرارات متفق عليها ضمنيا نتخذها جميعا (تعليق الأمر على شماعة الواقع).
بكل الحب أسأل: قدموا لنا حدثا ثقافيا مهما جرى على الساحة السورية منذ سبع سنوات إلا عودة معرض مكتبة الأسد على الرغم مما شاب النشاطات المرافقة من ملاحظات علينا أن نتداركها؟
هل تفعلون، هل رأيتم كتابا وشعراء ومبدعين ووووو يعيشون ولو ليلة واحدة مع موقع عسكري ولو كان وسط دمشق، هل تقدموا إلى فعل شيء لمجتمع جراحه أكبر من خارطة العالم كله؟
الفعل الثقافي السوري ظاهريا بألف خير، نعم، ولنشهد أن نشاطا مهما تقوم به بعض الجهات، ولكنه ليس كافيا ليكون المشهد كله فعلا وثراء وعطاء،في المشهد ولاسيما الملتقيات نكوص الى الماضي إلى اجترار ما كان ولا جديد يقدم، هل هو هروب أم عجز أم أنه كلاهما؟
طغت موجة مواقع الواصل على كل شيء، بحث الكثيرون عن منافذ لنشر إبداعهم فلم يجدوا متسعا إلا عند هذا الأزرق الذي يعرف كيف يقرؤنا ويحلل بنيتنا, ويمنحنا شهادات دكتوراه فخرية وبناء على تحصيلنا الدراسي العالي جدا (ابتدائية) وهنا أقول بكل المحبة: هذا ليس خارج السياق إطلاقا، فعندما يحل الدعي وغير الأصيل في الكثير من المواقع والمنابر الثقافية السورية، لابد أن آخرين لهم الحق أن يطمحوا وكون الأماكن حجزت فلا ضير على الأزرق، هذا الهراء والهباب الذي غزانا، ما كان له أن يستوطن لو أن لدينا فعلا ثقافيا حقيقيا، لو كان المثقفون السوريون فاعلين في مشهد لا يحتمل المواقف الخلبية: صراع على مواقع ومناصب ومغريات والوطن يحترق، شعر وروايات ودراسات كلها عفا الله عليها من زمن،وراء الجبل ينتظرون بفارغ الصبر ما ستؤول إليه معركة الوطن ليكونوا في زورق ما يحقق لهم المكاسب.
المشهد الثقافي السوري الآن ليس بحده الأعلى قادرا على الوصول إلى عتبات بيت طيني مهجور في أقاصي أي قرية سورية قدمت ابناءها شهداء يختزل بضجيج إعلامي نحن جزء منه، أما الواقع لينهض فيحتاج إلى مثقفين حقيقيين قادرين على الفعل والاختلاف بالوقت نفسه, لايحاول كل منهم إلغاء الآخر، ساحة ثقافية عمرها عشرة آلاف عام تتسع للكون كله، ولكن الحقيقة هناك من يظن نفسه أكبر من الوطن وساحاته ومنابره.
بنهاية سبع سنوات عجاف، علينا أن نعلن بكل ثقة أننا لم نكن على مستوى الحدث، ولابد من قراءة واعية لهذا النكوص، الثقافة ليست ترفا، ولا المثقف خلق ليكون صاحب الموقع الذي يجعله وصيا على أقرانه، والثقافة ليست فعلا مجانيا، إعلام وثقافة وإبداع وتعامل كما بائع البقدونس، لن يكون، ومعظم إغراءات المواقع لما تقدمه من مكاسب مالية لو تم تشريعها بطريق آخر لانتفت نزاعات وأحقاد، بكل الأحوال هذا المشهد من العاملين في الحقل الثقافي لن ينتج ثقافة حقة، ومن الضرورة بمكان أن يعقد مؤتمر عام لمناقشة هذا الواقع بعيدا عن وصايات مؤسسات ثقافية، ولكن تحت رعاية وظل الدولة وتحت شعار (الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية)
ليمتلك الكثيرون منكم الشجاعة وليعلنوا جهرا الداء والدواء.....
d.hasan09@gmail.com