|
|
سياسة (الفوضى) عقبة أخرى أمام جهود السلام شؤون سياسية \ جاء الحديث عن عملية السلام في وقت تكاد تختفي فيه مفردات ومصطلحات هذه العملية من القاموس السياسي للولايات المتحدة وإسرائيل, وكأن السلام مجرد شبح هلامي لا لزوم له, أو من مخلفات الماضي الذي لا تحب إسرائيل والولايات المتحدة ذكره, لما يسبب لهما من منغصات تعوق كل ما خططوا له من مشاريع استعمارية, يبذلون كل ما في وسعهما لتحويلها إلى واقع ملموس في حياة دول وشعوب المنطقة, متناسين الأهمية التاريخية لمؤتمر مدريد للسلام عام ,1991 والذي كان من الممكن لو توفرت النيات السلمية الصادقة لدى إسرائيل وشركائها الغربيين لتحول إلى خطوة رئيسية مفصلية في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي, منهياً مرحلة مأساوية في العلاقات الاقليمية والدولية, ومؤسساً لمرحلة جديدة, اتخذ العرب فيها السلام خياراً استراتيجياً, ولكن بفعل طبيعة الكيان الصهيوني البنيوية وعقليته المتشبعة بالفكر العنصري والعدواني ضد العرب, لم تستطع جولات المفاوضات خلال السنوات التي تلت مؤتمر مدريد إلغاء حالة الصراع على أساس اعادة الحق العربي المغتصب لأصحابه الشرعيين. وكان واضحاً أن عقم المفاوضات على المسار السوري يعود أساساً لرفض إسرائيل الاستجابة للقرارات الدولية وخاصة القرارين 242 و,338 اللذين ينصان على مشروعية استعادة الجولان العربي السوري إلى سورية, دون أي شروط واملاءات إسرائيلية أو غير إسرائيلية تمس مبدأ السيادة الوطنية السورية, وبات الموقف الإسرائيلي المخالف للشرعية الدولية وقوانينها وقراراتها, العقبة الأساسية في وجه أي سلام على هذا المسار, وعوضا عن العمل لايجاد وتوفير الشروط الضرورية لانجاح عملية السلام, صعدت إسرائيل أعمالها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني, وجاءت الانتفاضة الفلسطينية والتطورات التي شهدها الجنوب اللبناني والتي توجت بالتحرير لمعظم أراضيه, لتضع إسرائيل في مأزق سياسي ومعنوي, ولكن تسارع الأحداث في مطلع عام 2003 والذي شهد تطورات نوعية خطيرة جديدة تجلت بالغزو الأميركي للعراق واحتلاله, وتعمق الخلافات بين العرب والولايات المتحدة الأميركية زاد من تعقيدات الوضع على مسار مباحثات السلام, وأصبحت امكانية تحريك عملية السلام على المسار السوري مسألة مستبعدة في ظل سياسة المحافظين الجدد, فإدارة بوش المحكومة بعقلية المحافظين الجدد والمنهمكة في العراق أخذت تشعر وخلال السنوات الثلاث الماضية لاحتلال العراق بأنها تغوص في مستنقع لا قرار له بفضل المقاومة العراقية ضد المحتلين, ما جعل الإدارة الأميركية ليست على عجلة من أمرها لاعادة إحياء مباحثات السلام على المسار السوري, لدرجة وصلت فيها الأمور إلى حد الشعور وكأنه لا يوجد ما يسمى عملية سلام في المنطقة, والأخطر إن إسرائيل أخذت تراهن على تعميق وتأجيج العداء الأميركي لسورية وتصعيد الخلافات الأميركية- العربية أملاً في تعميم (الفوضى) الأميركية التي أطلق عليها (الفوضى الخلاقة) لتطال سورية في محاولة منها لحصارها وعزل نظامها الوطني, لكونه بات الكابح الرئيسي في المنطقة العربية لتعميم الفوضى على جميع دول وشعوب المنطقة. ولم تعد الولايات المتحدة تخفي شيئا في هذا الاتجاه, فلم تتوقف عن قذف الاتهامات وإلصاق الأكاذيب بسورية, ولكن سرعان ما افتضح أمرها, وسقطت جميع المزاعم المعادية لسورية, سواء المتعلقة منها باتهامها بارتكاب جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري, أو تلك المتعلقة بالتدخل في شؤون العراق الداخلية أو على الصعيد الفلسطيني. وكانت أميركا من خلال حملتها ضد سورية تسعى لوضعها في دائرة الاستهداف المباشر وخلق ضجة إعلامية مفتعلة حولها, بهدف تحريض المجتمع الدولي ضدها. وأمام هذا الواقع, طرحت الإدارة الأميركية بالتنسيق والتعاون مع إسرائيل جملة شروط واملاءات من المستحيل تنفيذ أي منها من قبل سورية, وخاصة ما يتعلق بوقف تعاطف سورية ودعمها لمواقف حركات التحرر العربية وتأييدها سياسياً ومعنوياً, وخاصة تأييدها للمقاومة الوطنية المناهضة للاحتلال الإسرائيلي وللغزو الأميركي للعراق, فسورية بتوجهاتها ومبادئها وقيمها الوطنية والقومية وحرصها على حرية واستقلال الدول العربية, لا يمكنها أن تتكيف أو تتلاءم مع المشاريع الأميركية الإسرائيلية الموضوعة للمنطقة, لذلك أصبحت سورية في نقطة اهتمامات الإدارة الأميركية, وبدأت هذه الإدارة بعقليتها المتسلطة تخطط لفرض الحصار على سورية واصدار قرار لمحاسبتها وممارسة شتى أنواع الضغط عليها بهدف اركاعها وقبولها ما تسميه نشر (الديمقراطية) على النمط الغربي الأميركي, وهذا كله جعل الحديث عن امكانية تحريك المباحثات السلمية على المسار السوري في غاية الصعوبة, خاصة وأن الأهداف العدوانية الإسرائيلية وتناغمها مع الشروط الأميركية, تشكل دافعاً ملموساً للقرارات الدولية التي اتخذت ضد سورية ولبنان, وتنسجم مع رغبات الدول الغربية الكبرى في العالم. وبطبيعة الحال فهم يدركون بأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام في المنطقة إن لم يشمل المسار السوري وأمام ما تشهده المنطقة من (فوضى) دموية وتزايد الضغوطات الدولية والتهديدات الأميركية وانتشار ما يسمى بالفوضى الخلاقة التي تعم لبنان والعراق يبدو أن آفاق السلام مسدودة ولا يمكن في ظل هذه الأجواء المشبعة بروح العدوان ضد العرب, التفكير بتوقيع اتفاقيات سلام, تضمن سلاماً شاملاً وعادلاً في المنطقة. وإذا ما استمرت واشنطن بهذه السياسة فإنها ستجد دائما أبواب دمشق مغلقة, ورغم ذلك فإن سورية, ونظرا لحرصها الشديد على تعميم السلام العادل والشامل في المنطقة, عوضاً عن تعميم الفوضى, فقد أدرجت مسألة إحياء عملية السلام على بساط البحث مع الجانب الروسي خلال زيارة وزير الخارجية وليد المعلم إلى موسكو مؤخراً, لقناعتها بأن تفعيل الدور الروسي في هذه العملية سيساهم في إحيائها بما يخدم مصالح جميع دول وشعوب المنطقة.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||
