تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هكـذا وقعــت الاستخبارات الإسـرائيلية في الفـخ

قاعدة الحدث
الأحد 7-10-2012
إعداد: وضاح عيسى

أدرك العرب أنه لا خلاص من الوضع المقلق الذي فرض عليهم جراء وجود الكيان الصهيوني الغاصب في قلب أمتهم وفرض تعنته وصلفه عليهم مدعوماً من القوى الامبريالية العالمية،

وخبروا أيضا مدى عدم جدية هؤلاء وكذبهم في إيجاد حلول سلمية لما يعانوه من وجود هذا الكيان المتعنت، وعلموا أن ما يطرح عليهم من مبادرات بحجة الحفاظ على السلام في «الشرق الأوسط»، أو عن طريق المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي المحتل، أو عن طريق المحاولات العبثية بحثاً عن حل عادل مع عدو منتصر ومغرور، تلعب فيها القوى العظمى آنئذ دوراً يتم فرضه على أطراف النزاع العربي الإسرائيلي ، ليس سوى لعب على الزمن لتحقيق أطماع استعمارية بغيضة تستنزف طاقاتهم وتغتصب حقوقهم وتهيمن على مقدراتهم وتنتهك سيادتهم واستقلالهم، كما أيقنوا بعد الهزيمة الكارثية لهم في حرب 1967 أن الحل يتلخص في «أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة»، ومن هنا كانت حتمية الحرب قراراً مصيرياً وشعبياً مرغوباً لا رجعة فيه، فأطلقت شرارتها في تشرين الأول 1973 .‏

تساءل الإسرائيليون عن فشلهم الاستخباراتي في معرفة خفايا إعلان حرب تشرين وانتصار العرب عليهم فيها، وعن دوافع وأسباب هذا الانتصار، ومن المسؤول عن هزيمتهم، وأين التقصير؟؟.‏

ففي مذكراته .. يتساءل إيلي زاعيرا رئيس المخابرات الإسرائيلية (الموساد): لماذا لم تصل «معلومة» عن اللقاء المصري السوري في الفترة من 21 إلى 23 آب 1973 ؟ . ثم يقول: حسب اعتقادي فإن ما تم إخفاؤه عن «الوكالة» (يقصد الموساد) بشأن هدف زيارة السادات للسعودية في آب 1973 مع الملك فيصل، وبشأن معلومات عن اللقاء المصري السوري في نفس العام، وكذلك القرار الحقيقي والوحيد عن موعد الحرب ضد إسرائيل، ووصول معلومة في نفس الوقت، تفيد أن العرب قد أرجؤوا الحرب إلى نهاية العام، ما يشهد على أن «المنبع» كان تتويجاً لنجاح خطة «الخداع» العربية، والمقصود «بالمنبع» الجاسوس الذي يعمل لدى الموساد الإسرائيلي، ويعتبره المؤرخون أنه كان جزءاً من خطة الحرب، وكان عميلا مزدوجا كحلقة مهمة في عملية «خداع» إسرائيل في حرب 73 ، مشيرين إلى نوايا مصر وسورية بالهجوم بعد إعداد خطة متكاملة تشمل «الخداع» التكتيكي والتعبوي والإستراتيجي والسياسي، قد تم تنسـيقها بين الجانبين وهي تعتمد على سلسلة من الأحداث تقع في عدة تواريخ محددة على المسـتويين العسكري والسياسي، ما يعطي انطباعاً أن الحرب ليست متوقعة في الوقت الذي تم تحديده لها، وكانت المفاجأة التي تحـققت يوم 6 تشرين الأول 73 نتيجة لسلسلة من الإجراءات المتعددة التي كان يجري تنفيذها ضمن خطة محـبوكة الأطراف تم وضع أسسها قبل بدء الحرب بمدة طويلة .‏

ويقول رئيس المخابرات الإسرائيلية : إنه تم إعداد خطة من جانب العرب لنقل معدات العبور من المؤخرة إلى الجبهة ومن الجبهة إلى المؤخرة وكذا تحركات بطول المنطقة، حتى يبدو الأمر وكأنه تدريب على التحركات، ويضيف: لاحظنا دفع القوات الرئيسية من العمق إلى الجبهة أثناء تلك التحركات قبل ثلاثة أسابيع من موعد بداية الهجوم، وبتمويه جيد من أعمال هندسية متقنة، كان يبدو الأمر وكأنه يتعلق بمجرد مناورة، ولكن فجأة وفي ذروة المناورة، تحولت المناورة إلى قتال فعلي بالرغم من محدودية عدد الضباط الذين كانوا يعملون على تطوير المناورة إلى حرب، مشيرا إلى أن عنصر «الخداع « هو الذي ساهم أكثر من أي شيء آخر في عدم فهم طبيعة الإعدادات، وخاصة أن الخطة اشتملت على خطوط رئيسية من الدعاية السياسية، بهدف خدمة خطة «الخداع» التكتيكية والإستراتيجية، وقد تكللت جميعها بالنجاح الساحق، لدرجة أن أجهزة المخابرات العالمية، وعلى رأسها وكالة المخابرات المركزية الأميركية ، استخلصت نتائج خاطئة بهذا الخصوص، وفوجئ العالم كله بالهجوم المصري – السوري .‏

زاعيرا الذي زعم أنه علم بالحرب قبل نشوبها بأربعين ساعة يتساءل: « كيف لم تصل لنا أي معلومات تحذيرية إلا قبل ساعة الصفر بأربعين ساعة ؟ ! بينما «المنبع» - (سبق أن أوضحنا) - الذي هو ليس مصدر التحذير قد علم في 25 أيلول أن الحرب على الأبواب، أي قبل عشرة أيام من نشوبها ؟ «، يؤكد هذا أن القادة الإسرائيليين كان يعميهم الغرور بعد انتصارهم في حزيران 1967، ووصل هذا الغرور إلى درجة الثقة – التي تكاد أن تكون مطلقة- أن العرب غير مؤهلين بعد النكسة لبدء أي حرب يمكن أن ينتصروا فيها، فلم يهتم الإسرائيليون كثيرا بالمعلومات التي توفرت لديهم عن نية مصر وسورية لبدء الحرب، وحينما حققت القوات المصرية والسورية المفاجأة الكاملة في حرب 1973 ، أمرت رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير في أواخر تشرين الثاني من نفس العام، أي قبل انقضاء أسابيع قليلة من إيقاف إطلاق النيران بتشكيل لجنة برئاسة القاضي شمعون أجرانات، لمعرفة أسباب التقصير الذي تم ومن المتسبب في ذلك، الأمر الذي يؤكد الفشل الذريع الذي أصاب المؤسسة الأمنية العسكرية الإسرائيلية على المستوى الاستخباراتي والتقني قبل وخلال حرب تشرين التحريرية، والتي ردت هذا الفشل إلى سوء الاتصالات والنشاطات الاستخباراتية في ظل عدم وجود الأوامر التي إن وجدت كانت مبهمة حسب زعمها، إلا أن وثائق إسرائيلية رفع غطاء السرية عنها، ذكرت أن رئيس الموساد في حينه تلقى قبل الحرب بنحو يومين رسالة تحذيرية من لندن تم تسليمها عبر الجاسوس مفادها أن الحرب قادمة وقريبة، وعلى الرغم من أن نص الرسالة غير مسبوق في لهجته التحذيرية، إلا أن الجهات السياسية غضت الطرف عن أهمية مثل هكذا برقية، والتي أثارت جدلاً خلال التحقيقات الداخلية بعد الحرب، وخاصة فيما يتعلق بإهمالها رغم المعلومات الواضحة التي وفرتها.‏

التحقيق في حينه طال مسؤولين كباراً في مكتب رئاسة الحكومة ، حيث مثُل أمام اللجنة المشكلة للتحقيق كل من رأت وجوب استدعائه حتى غولدا مائير نفسها، للاستجواب حول ما جرى ولماذا أخفيت هذه البرقية عن رئيسة الحكومة مائير، رغم قدومها عبر عميل مهم وموثوق من قبل جهاز المخابرات الإسرائيلي، وكان البارز في هذا الجانب أن الجاسوس، الذي توفي قبل أعوام في ظروف غامضة في لندن، حذر بشكل متكرر من قرب وقوع الحرب، وإن كان في المرة الأخيرة طالب باجتماع عاجل، وهو أمر لم يفعله من قبل.‏

إهمال البرقية من قبل رئاسة الموساد أثار تساؤلات واسعة حول أسباب مثل هذا الأمر، ولماذا لم يتم نقلها إلى مائير لأخذ قرار بشأن ما يمكن فعله إزاء مثل هذه المعلومات، وخلال الاستجوابات تبين أن البرقية لم ينظر لها بأهمية، وخاصة أنه بمجرد استلامها في المساء لم ينظر إليها في صباح اليوم التالي، بسبب الإجراءات البيروقراطية والتأخير للوصول بين المستويات المختلفة في الجانب السياسي والأمني، فضلاً عن الشك الذي كان يعتري الأوساط الاستخباراتية الإسرائيلية حول مدى جدية عميلهم في التجسس لمصلحة “إسرائيل” أم أنه كان عميلاً مزدوجاً، بالإضافة إلى البرقية السابقة، وردت معلومات حول شحن أسلحة وصواريخ “سكود” روسية إلى مصر، وهي على الرغم من أهميتها إلا أن ذلك أيضاً لم يلق اهتماماً من قبل الجهات المعنية، ما أثار سخط وصدمة أعضاء في مفوضية التحقيق عقب الحرب.‏

وبعد الحرب ومناقشة البرقية، حمل كل من المسؤولين السياسيين والأمنيين المسؤولية لكل طرف، للخروج من تكبد أكبر الخسائر على المستوى القيادي في كلتا المؤسستين، إلا أن المحققين انتقدوا سوء الاتصالات والعشوائية في القرارات بين المؤسستين السياسية والأمنية، وكيفية التعامل مع المعلومات الواردة لهما، وخاصة في ظل التعرف على جوانب الاستعدادات على الطرف الآخر من عدمه.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية