جيشنا العربي السوري وكما هو في عيون السوريين كان وسيظل الهدف الأسمى في ملاحم البطولة والفداء, فقد رأينا ما قدمه هذا الجيش الباسل في حرب تشرين التحريرية, إضافة الى احتضانه المقاومة العربية ضد القوى الاستعمارية.
شكلت حرب تشرين التحريرية مفصلا مهما في تاريخ العرب الحديث بنتائجها ومضامينها والتي تجلت أبعادها واضحة على جوهر الصراع العربي الاسرائيلي بالمبادرة في اتخاذ قرار عربي مشترك في شن الحرب على العدو المحتل للأراضي العربية وتحرير الأمة من قيود العجز وإطلاق مقدراتها واستعادة المواطن العربي لثقته بنفسه وإسقاط المشروع الصهيوني ببعديه العقائدي والاستراتيجي. كما أشعلت حرب تشرين فتيل المقاومة العربية في الربع الأخير من القرن الماضي بصورة شكلت معها منقلبا في معادلات النظام الاقليمي قاطبة بعد اسقاط الوهم الكبير المرتبط بالخرافة العسكرية الاسرائيلية.
وأسهم النصر الذي أحرزه الجيش العربي السوري في حرب تشرين بتأسيس ثقافة المقاومة في فلسطين ولبنان التي اشتد عودها وأصبحت لاعبا حاسما بإنجازاتها واستطاعت تغيير موازين القوى وفرضت معادلة جديدة في المنطقة وخاصة بعد ما حققته من انتصارات وإلحاقها الهزائم بالعدو الصهيوني في جنوب لبنان عام 2000 و2006, وصمود المقاومة في غزة في وجه العدوان الاسرائيلي كشفت ان اسرائيل كـ «قوة لا تقهر» لم تكن سوى أوهام عملت آلة الدعاية الصهيونية على ترسيخها فذهبت المقاومة بها إلى غير رجعة.
وكانت خيارات سورية واضحة على الدوام بتبنيها خط المقاومة ودعمه وتأييده وحق المقاومة في تحرير الارض من منطلق رفض الاحتلال كليا بالتوازي مع سعيها الدائم ومنذ حرب تشرين التي كانت دفاعا عن الارض والحقوق إلى مؤتمر السلام في مدريد عام 1991 إلى تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة وفق مرجعيات مدريد وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبدأ الارض مقابل السلام واستعادة كامل الاراضي العربية المحتلة حتى خط الرابع من حزيران عام 1967 والأراضي العربية المحتلة في فلسطين ولبنان حتى حدود عام 1967 بما فيها القدس المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف بهدف توفير متطلبات الأمن والاستقرار في المنطقة وإقامة السلام العادل والشامل المستند الى قرارات الشرعية الدولية المعروفة ومبدأ الارض مقابل السلام وبعد مرور نحو أربعة عقود على قيام هذه الحرب لا تزال سورية جزءاً أساسيا ومفصلياً في تحديد مستقبل المنطقة من خلال دورها الفاعل في الدفاع عن الحقوق العربية مهما كانت التحديات والظروف.
ورفضت سورية التي خاضت حرب تشرين وبعدها حرب الاستنزاف مع العدو الصهيوني طوال العقود الماضية اتفاقيات الاستسلام والاذعان والتنازل عن حقوقها واستطاعت ان تكسر كل المحاولات الامريكية والغربية لعزلها واثبتت انها دولة مهمة وانه لا يمكن لاحد مهما كان شأنه ان يمنعها من لعب دورها المحوري في المنطقة وان سورية استطاعت الخروج من كل الازمات اقوى مما كانت عليه وبرهنت للعالم انه لا يمكن ان تحاصر او تطوق وانها مفتاح المنطقة.
ولعل ابرز ما أظهرته حرب تشرين هو وحدة المصير بين الدول العربية وعمق وحدة الشعور بالانتماء والتضامن العربي الذي طالما دعت اليه سورية باعتباره الشرط الوحيد لاعادة العرب إلى الخارطة الاقليمية والدولية كأمة ووجود لها كينونتها ورسالتها الحضارية وقدراتها التي تمكنها من ان تكون صانعة لمستقبلها ويكون لها دورها في صناعة القرار الدولي.
ومن الجدير ذكره أن سورية قيادة وشعبا تواجه اليوم حربا كونية في ظل طغيان سياسة التضليل المتمثل بوسائل اعلامية تستخدم احدث الاساليب لتزييف الواقع وتشويه صورة سورية كدولة ومجتمع من اجل تحقيق اجندة سياسية ترتبط بمصالح الغرب الاستعماري في المنطقة.
خبراء أكدوا ان ما تتعرض له سورية من حملة هستيرية وهجمة شرسة من قبل امريكا والدول الغربية وادواتها في المنطقة تستهدف سورية الدور والقوة المحورية في المنطقة ونموذجها الوطني والحضاري في جزء من مخطط خارجي غربي ليس بجديد في فصوله وابعاده واهدافه التي بدأت عام 2003 مع بدء احتلال العراق ومشروع الشرق الاوسط الجديد باستخدام ادوات واساليب جديدة تعتمد على مجموعات ارهابية مسلحة تمارس القتل والاجرام بحق المواطنين وقوات الجيش والشرطة وتخريب المؤسسات واغتيال الكوادر العلمية والرموز الروحية بهدف استدراج التدخل الاجنبي بالشؤون الداخلية لسورية واستصدار قرارات ادانة دولية تحت مسميات حقوق الانسان التي ليست الا غطاء لمطامعها الاستعمارية واعادة احياء سايكس بيكو جديد يجزئ المجتزأ ويقسم المقسم.