تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لوكليزيو في غابة التناقضات

فضاءات ثقافية
الأحد 7-10-2012
لم يكن الكاتب الفرنسي لوكليزيو معروفاً بشكل كافٍ في الأدب العربي، حتى لحظة فوزه بجائزة نوبل عام 2008، ومنذ ذلك التاريخ صار اسمه مطروقاً في الصحف العربية، وفي الترجمات التي سارعت إلى نقل أعماله

بعد وصول نوبل إلى داره. لكن ما يستحق التوقف بشأنه هنا هو أن هذا الكاتب الفرنسي الذي عُرف عنه انحيازه للكتابة عن المهمشين، واهتمامه بالثقافات المنسية والمجهولة.‏

يعتبر لوكليزيو من الكتاب المنحازين للثقافة العربية، فقد أقام في المغرب مدة من الزمن، وتزوج من امرأة مغربية، وكتب رواية بعنوان «صحراء» وصفها طاهر بن جلون: «أنها رواية من روايات الجنوب» لما يظهر فيها من انحياز لوكليزيو للصحراء المغربية. أما في روايته «نجمة تائهة» فقد كتب عن معاناة فتاة فلسطينية في إحدى مخيمات اللاجئين.‏

يمكن وصف لوكليزيو بأنه الرحالة الأبدي، فهو مولع بالسفر، باكتشاف أماكن نائية ليعيش فيها، ويكتب عنها، من نيجيريا، إلى الصحراء، وإلى أراضي الهنود الحمر.‏

من هنا توجد في نصوصه فضاءات شاسعة وثرية، يتضح فيها العمق الفكري والإنساني لهذا الكاتب الذي تتشابه رواياته مع عوالمه. لقد عايش زمن الحرب العالمية الثانية، فقد ولد عام 1940، ولايزال «يسمع صراخ لوكليزيو الطفل»، ويعتبر أن الحرب من أهم العوامل التي أثرت على مجرى حياته. لكن ما الذي قاده إلى الكتابة؟‏

من المهم ايجاد إجابة لهذا السؤال، حين يدور الكلام عن لوكليزيو تحديداً، طفل الترحال والغربة منذ الصغر، طفل الحرب والحرمان والجوع، الذي ظل منصتاً للمهمشين، يكتب عنهم وعن عوالمهم في كل جولاته ونصوصه، معتبراً أن انتصاره لهم لا ينفصل في أي حال عن انتصاره للإنسانية ككل، دون أن يتخذ من كتابته عنهم أي وسيلة لتجعله في واجهة الإعلام أو متحدثاً على منصة عالية.‏

الكتاب الذي بين يدي حول لوكليزيو يحمل عنوان « في غابة التناقضات»، وهو من ترجمة أمينة الصنهاجي الحسيني، وتقديم هاني الصلوي. الكتاب ينقسم إلى قسمين، تضمن القسم الأول كلمة لوكليزيو التي ألقاها بعد فوزه بجائزة نوبل، أما القسم الثاني فقد جمعت فيه المترجمة أربعة حوارات أجريت مع لوكليزيو ونشرت في صحف فرنسية.‏

في الجزء الأول الذي يتضمن كلمة لوكليزيو في نوبل، يطرح لوكليزيو هواجسه عن الكتابة عبر سؤال: «لماذا نكتب؟». هذا السؤال المحير والبسيط في آن واحد، يحمل في طياته إجابات شتى من وجة نظره، فهو لا يكتب لأنه يبحث عن متعة في الكتابة، بل على العكس يرى أن الحرب قادته حتماً إلى تحري الدقة، وإلى البحث عن الحقيقة عبر الكتابة. لم تكن الحرب كواقع هي الذكرى المهمة والمؤثرة بالنسبة للوكليزيو، بل السنوات التي تلت الحرب، حين افتقد أدوات الكتابة والقراءة، يقول: «هناك نقص في الورق، لا توجد ريش كافية..ولعدم وجود كتب أطفال قرأت كتب جدتي، لقد كانت بوابات رائعة لمعرفة العالم»‏

يكشف لوكليزيو في كلمته عن سنوات الحرية التي عاشها مع أبيه في أفريقيا، وعن أثر قراءاته الأولى على تكوينه المعرفي، وانعكاس هذا كله فيما بعد على كتابته. فقد كتب حين كان في عمر السابعة كتابه الأول الذي أسماه «عالم للنقع». لكنه يرى أن الكتب التي أثرت عليه بشكل كبير هي تلك التي تتعلق بالأسفار، وكذلك النصوص الكبرى للاستكشافات الجغرافية.‏

ولعل أهم ما تضمنته كلمة لوكليزيو في حديثه عن الكتابة هي فكرة «التناقض» التي يتطرق اليها بعمق، يطرح أسئلة عن الجوع والشبع، عن جوع المهمشين، وعن الكتاب كيف يكون الحصول عليه ترفاً في بعض البلدان. يقول: «انظروا لهذه الشجرة الأخرى في غابة التناقضات، الكاتب يريد لنفسه أن يكون شاهداً، وما هو في غالب الأوقات إلا متلصص بسيط… أدين للغابة أيضاً بواحد من أكبر انفعالاتي الأدبية..».‏

ويصل لوكليزيو إلى نتيجة مفادها أن الكتابة امتياز، وفضل، مرآة حية يستطيع العودة إليها كلما خطر له الاحتماء من المفاجآت المزعجة.‏

القسم الثاني من الكتاب يتضمن حوارات مع لوكليزيو، تكشف عوالمه وإيمانه بأن «الأدب ليس أفكاراً، الأدب ضجيج». ولعل من أجمل الأفكار التي تضمنتها آراء لوكليزيو هو موقفه من صراع الحضارات، ومن الشرق والغرب، يقول: « لا أعتقد أنه يوجد « نحن» و» الآخرين»، أو العالم الغربي من جهة، ومن الجهة الأخرى نوع من العالم البربري المتربص بأصغر هناتنا. «وعلى الرغم من تنوع كتابات لوكليزيو بين شعر ورواية، وكتب أسفار، إلا أنه في حواراته يكشف انحيازه للرواية حين يصفها بقوله: « إنه نوع يستوعب كل شيء، وهذا سبب نجاح الرواية، في المئة سنة الماضية. إنها نوع من الاختصار لمعرفة العالم، وباحتمال كبير حالته الخاصة.»‏

الجدير بالملاحظة أن كتاب «في غابة التناقضات» على الرغم من صغر حجمه، حيث لم يتجاوز المئة صفحة، إلا أنه تمكن في محتواه المكثف من تقديم عالم لوكليزيو بشكل يمنح القارئ إطلالة عميقة على عالمه، تكشف أفكار هذا الكاتب، وموقفه الإنساني نحو العالم الضعيف.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية